على غرار قاعدة سماقولي ( كلكا سماق) في ريف السليمانية، غداة انقلاب 8 شباط الدموي، (أول قاعدة انصارية أسست في ١٨ شباط ) انشئت قاعدة بسقين ( كلي زيوكا) في ريف نينوى من قبل المناضلين الذين تركوا المدن والوظائف والمدارس والبيوت، الى الجبال للنجاة من مجازر شرع القابضون على السلطة بارتكابها بالحديد والنار.
بسقين منطقة جميلة خلف جبل القوش، قبل الوصول اليها تأتي منطقة اسمها (خاتونية) وكأنها مرج اخضر مزهر مليء بالأشجار المثمرة وانواع الخضراوات بعضها يستخدم كأعشاب طبية، وفيها بركة ماء للأسف اليوم تغطيها الأتربة. بسقين تعني مكان الماء أو الأسماك كما فسرت استنادا الى مصادر سريانية وأخرى لاتينية، وهي تتكون من بركة كبيرة تتزود من ينبوعين، والماء فيها حلو المذاق ولذيذ، يصلح منه اجود انواع الشاي. يأتي ماء بسقين مع ماء(بيزلان) و(گپه دمايا) مصدر واحد يجري من تحت صخور الجبل. كانت مياه البركة الكبيرة تفيض الى مدرجات زرعت فيها الخضراوات المختلفة وأشهرها: البصل والثوم والرشاد والخيار الذي كان يطير بمجرد وصوله الى سوق القوش.. في ربع القرن الاخير نصب الرعاة خزانات مياه قريبة من نبع بسقين في قعر الوادي ومدت انابيب اليها فامتلأت بالمياه وثبتت عليها حنفيات، واقيمت احواض لسقي الأغنام، ولكن ايدي العابثين لم تتركها طويلاً، فسرقتها وبقيت فقط الخزانات الفارغة. تجمع الشباب في تلك القاعدة، وسارت الحياة فيها رغم ضيقها واشغال كهوفها ومرابعها الاخرى خصوصا بعد قدوم الصيف، وبلغ عدد الملتحقين المئات من مختلف اطياف الشعب العراقي من عرب واكراد وأيزيديين ومسيحيين وتركمان وشبك، حتى المرأة شاركت في تلك القاعدة اتذكر منهم: سعيدة اسرائيل تومكا، سارة لازو، ماري بوسف الحسيني.
قاد ذلك العمل الانصاري المبكر بتفان واخلاص الضابط السابق توما صادق توماس، اصبح ذلك الكم الكبير من الثوار تحت قيادته الحكيمة والمقدامة. بوجود تلك القاعدة انتعشت حركة التموين من القوش واليها باستخدام الدواب وبرفقة أناس وضعوا دماءهم على أكفهم لدعم القاعدة، رغم ما نزل بهؤلاء من عقوبات سريعة من النظام الدموي الحاكم في بغداد وسلطته الحاقدة في الموصل، فكان ينزل العقوبات الصارمة بكل من تعاون مع الثوار( كان النظام يسميهم العصاة) فالعشرات من الأهالي سجنوا في اقبية السجون في الموصل وكركوك وتعرضوا لأشكال التنكيل والتعذيب، اتذكر كيف اعتقل متي ككا، وزوجته شكري تنا، وياقو كرجي وغيرهم من قبل مركز الناحية. رغم ذلك انتعشت القاعدة واصبحت خنجراً في خاصرة السلطة، وبات المناضلون يعيدون الصلات مع اماكن الانقطاع في الموصل وسهل نينوى. وعندما انطلقت حركة ضباط معسكر فايدة قرب دهوك كان لقاعدة بسقين دور مهم فيها، ولكنها للأسف فشلت واعدم قائدها الشهيد طالب عبد الجبار ومجموعة اخرى من المشاركين فيها. شنت السلطة هجمات عسكرية وباشتراك طيرانها الحربي والجحوش من مختلف الملل وكان أخطرها يوم الاحد 7 - 7- 1963 حيث سقط الشهيدان بطرس جركو وكوريال اوراها على قمة جبل القوش وهم يتصدون للمعتدين. سحلت قوات النظام جثتي الشهيدين الى احد ميادين القوش فكان منظراً مؤثرا ترك اثره البالغ بكل من توفرت له فرصة القاء النظرة عليهم، وكنت شخصيا واحدا منهم، وحاليا تقع قبورهم اضافة الى شهداء آخرين سقطوا في معارك متفرقة في اجمل مكان في وادي دير الربان هرمزد قرب القوش. تلك كانت النواة الاولى في بهدينان تبعتها نواتات اخرى وقواعد انصارية لاحقة، خصوصا بعد تعرض الاحرار مرة اخرى الى ذات الاسلوب القمعي والارهابي في اواخر سبعينيات القرن الماضي، واستمر العمل على قدم وساق نحو عقد من السنين، حيث كانت قوة النظام الدكتاتوري وآلته الحربية في اوجها.