في أمسية ثقافية وادعة وهادئة أسـتـضافت رابـطـة الأنـصـار في ستوكهولم بـالـتـعـاون مـع مـؤسـسـة سـنـسـوس الـشـاعـر الدافئ والمترجم ابراهيم عبد الملك في حوارية أدارها الفنان المسرحي ضياء حجازي يوم السبت 23 آب في منطقة ميدبوريربلاتسن وسط العاصمة ستوكهولم، حضر الفعالية عدد من أبناء الجالية العراقية من المهتمين بالأدب السويدي وخصوصا الأديب السويدي أوغست ستريندبرغ لما يمثله هذا الأديب في تاريخ الأدب والثقافة السويدية.
فمـنـذ أكـثـر مـن عـقـديـن دأب عـدد مـن الأدبـاء والمـتـرجـمـين الـعـراقـيـين الـمقـيـمـين في الـسـويـد عـلـى المـسـاهـمـة في تـرجـمـة الأدب الـسـويـدي مبـاشـرة مـن الـلـغـة الـسـويـديـة الـى الـلـغـة الـعـربـيـة، ومـؤخـراً في هـذا الـسـيـاق، أصـدر الـشـاعـر والـمتـرجـم إبـراهـيـم عـبـد المـلـك تـرجـمـتـه الجـديـدة لمـسـرحـيـة الآنسة جولي التي ألّفها الأديب السويدي أوغست ستريندبرغ، فكانت هذه الأمسية للحديث عـن الإصـدار الجـديـد وأهـمـيـة الـتـرجـمـة في تـواصـل الـثـقـافـات وهـمـوم الـتـرجـمـة ومـسـؤولـيـات المـؤسـسـات الـرسـمـيـة الـثـقـافـيـة في دعـمها.
بعد الترحيب بالضيوف من قبل الفنان ضياء حجازي طلب من الحضور الوقوف دقيقة صمت على أرواح شهداء غزة، ثم قدم تعريفاً بالشاعر ابراهيم عبد الملك ونشاطه الثقافي فذكر أنّ له أربعة دواوين شعرية وأنه يقوم بالترجمة بجانب عمله الوظيفي، وكتابة الشعر، فهو يترجم ويعمل بشكل حر ومستقل وأنه يفعل ذلك بحساسية شاعر، واختياره للمؤلف لم يكن اعتباطاً. فمسرحية الآنسة جولي ترجمت الى العربية عدة مرات لكنها لم تترجم من اللغة الأصلية التي كتبت بها، بل ترجمت إما عن الترجمة الإنكليزية أو الفرنسية، وقد تم تقديمها على خشبة المسرح في العديد من دول العالم. كذلك كان لمقدمة المؤلف رؤى فكرية وفلسفية ونظرة على الأدب والثقافة لتعتبر كبيان أدبي عميق في نظرته للحياة الاجتماعية.
وتم توجيه السؤال للمترجم لماذا أخترت هذا المؤلف ولهذا الكاتب...؟؟
شكر الشاعر ابراهيم عبد الملك رابطة الأنصار والحضور، ثم تحدث بشيء من التفصيل عن الكاتب وحياته ومؤلفاته وخصوصية مؤلفه هذا. حيث أشار الى دراسته في قسم الترجمة في الجامعة المستنصرية وحلمه بترجمة شكسبير، ثم اكتشافه الأديب أوغست ستريندبرغ الذي لم يطلع على نتاجه قبل مغادرة العراق والوصول إلى السويد؛ حيث كان لقاؤه الأول مع ستريندبيرغ عبر روايته الشهيرة الغرفة الحمراء، لتتوالى تلك اللقاءات الافتراضية وتشتد أواصر الصلة مع هذا الأديب المتفرد عبر مؤلفاته الأدبية والمسرحية الأخرى من خلال القراءة والمشاهدة. ويرى إبراهيم عبد الملك أن الحياة لم تنصف الكاتب الذي كان محارباً من قبل النخب الفاعلة والمؤثرة في السويد، وأنه قد كيلت له تهم غير منطقية، كما أشار إلى أن ستريندبيرغ كان ذا شخصية متمردة وجماهيرية كبيرة وسط عامة المجتمع السويدي آنذاك؛ جماهيرية نابعة من أفكاره اليسارية التقدمية ووقوفه مع الكادحين والناس البسطاء. كما بيّن في حديثه عن سيرة الكاتب كيف أنه كان مغامراً ومختلفاً ولا يترك شيئا للتأويل، كما لم يكن يخشى من أن يقول كلمته ورأيه وبحدّيّة وصرامة رأى فيهما الكثيرون استفزازاً واستعداءً، على أنه وباعترافهم هم أنفسهم كان من طينة الأدباء الكبار فلم يتمكن خصومه إلا أن يقروا بنبوغه، أديباً حقيقياً تستمتع بقراءة أدبه مثلما تستمتع بمشاهدة أعماله الدرامية. كما ذكر عبد الملك أن ستريندبيرغ عاصر وعرف بشكلٍ شخصيٍ عمالقةً في الأدب والفن والفكر ممن عاصروه، تأثر بهم وتأثروا به، وأنه جاب أوروبا مسافراً بمحض الإرادة ومنفياً بالقسر، حيث اضطر الى الهجرة والعيش فترة طويلة في عدد من دول أوروبا من أهمها فرنسا، حيث تأثر بالثقافة فيها، وكتب بعض مؤلفاته بالفرنسية.
أما اختيار الآنسة جولي لتكون أول عمل يترجمه عبد الملك لستريندبيرغ، فسببه أنها كانت أول عمل مسرحيٍّ شاهد عرضه على المسرح فتعلّق به، إضافةً إلى ما أشار إليه من أن الترجمات السابقة ونقاط الخلل فيها كونها ترجمت من لغة وسيطة كانت دافعاً له من باب تصويب بعض ما وقع فيها من أخطاء، عدا ما هو معروفٌ من أهمية وخصوصية هذه المسرحية وانتشارها.
وعن الأديب أوغست ستريندبرغ (1849-1912)، فهو كاتب مسرحي وروائي سويدي بارز، يُعد أحد رواد الحداثة المسرحية، تميزت أعماله بتنوعها بين المسرحيات التاريخية والطبيعية والخيالية، كما اعتمد فيها على تجاربه الشخصية وقضايا الصراع بين الجنسين والبحث عن معنى الحياة، ومن أشهر أعماله: مسرحية الآنسة جولي وثلاثية إلى دمشق، له كتابات غزيرة ومتنوعة، تزيد عن 60 مسرحية، بالإضافة إلى روايات وسير ذاتية وشعر. عُرفَ عنه تنوع الأنواع المسرحية التي ألّفها، فقد كتب المسرحيات الطبيعية التي تعكس الواقعية، والمسرحيات التاريخية، والمسرحيات الشعرية الخيالية. يُعتبر ستريندبرغ من أهم كتاب المسرح في القرنين التاسع عشر والعشرين، حيث يُنظر إليه كأستاذ لمن عاصره ومن جاء بعده من كتاب مثل تشيخوف وأونيل. اعتمد في أعماله على تجربته الشخصية، حيث أن حياته المليئة بالأحداث والتقلبات كانت مصدرًا مهمًا لأعماله الأدبية، تناول مواضيع الصراع البشري، مثل الصراع بين الخير والشر، والروح والجسد، والشهوة والعاطفة، وركّز في بعض أعماله على العلاقة المعقدة بين الرجل والمرأة (كما في مسرحية الآنسة جولي)، وصور في أعماله قصة شعور الإنسان بالضياع والبحث عن معنى في عالم لا يمكن فهمه، ساهم في تجديد المسرح وأعطاه ملامح جديدة، خاصة مع التركيز على الشخوص بدلًا من الحبكة التقليدية. ومن خلال مسرحياته، عبر عن أفكار معقدة عن النفس البشرية وعلاقتها بالعالم، ولا تزال أعمال ستريندبيرغ مؤثرة حتى اليوم وتعد جزءاً مهماً من الأدب السويدي والعالمي.
بعد الحوارية جرى نقاش وقدمت العديد من المداخلات والأسئلة مع الحضور الذين أشادوا بالجهود الإبداعية للمترجم وأغنوا الحوار، ثم تم توقيع وتوزيع نسخ من الكتاب لمن رغب باقتنائه. في الختام شكر رئيس الرابطة سعد شاهين الشاعر إبراهيم عبد الملك والفنان ضياء حجازي، وتم تكريمهما بباقات الزهور.