رجل من ذاك الزمان… وداعا عزت عثمان (أبو ستار، ابو علي، حه مه شريف)

اسماؤه المتعددة توحي لك بالدروب والمدن والمحافظات العديدة التي تنقل بها  الرفيق الراحل ابو ستار واختارها أو اختارته، والمسيرة الشاقة الطويلة التي قطعها الفقيد في دروب النضال العصيب التي تقحمها في صفوف حزبه الشيوعي العظيم.

في منتصف خمسينيات القرن الماضي وجد الفقيد طريقه الى صفوف حزبنا، واختاره طريق النضال السري ليكون واحدا من رواده وشموعه ومناضليه حتى في ظروف الانفراج النسبي التي مر بها الحزب، وهكذا أدمن الرفيق الراحل هذا العمل، بكل ما تعنيه هذه الكلمات من جرأة وتقحم وتضحية وعطاء بلا حدود، وكذلك بما تعنيه من حياة التشرد والملاحقة والبعد عن الاهل والاحبة والاصدقاء وما تفرزه من تداعيات سلبية في حياة المناضلين.

جعلته ظروف النضال السري ومتطلباتها القاسية واحترافه المبكر لها، الى جانب تواضعه وطبعه الهاديء، واحدا من المناضلين الذين يصعب ان تسمع بهم وعنهم قبل ان تلتقيهم، رجل لا يسبقه صيته، وابا يصعب عليه ان يبدو مثاليا ولا حتى تقليديا في عيون اولاده وزوجته، وتلك ضريبة انسانية ولا أقسى منها على صاحبها، لا يقوى عليها الجميع.

التقيته لاول مرة في صيف ١٩٩٠ في بيت سري في مدينة اربيل قبل غزو الكويت بيوم واحد، كنت حديث النزول من الجبل الى المدينة، ومازال التوجس والخشية، لا بل الخوف احيانا يلازمني. بخبرة المحترف خمن ابو علي ذلك او شخصه عندي، لذلك كانت معاملته خاصة بالنسبة لي وبدا كمن ياخذ بيد اخيه الاصغر في دروب الحياة ودهاليزها.

بتنا سوية في نفس البيت لنبدأ صباح اليوم التالي اجتماعنا ( ابو علي، جلال دباغ، حسان عاكف ومسؤولنا عمر علي الشيخ)، انشغالنا المبكر بالاجتماع اجل معرفتنا بغزو الكويت ساعات عدة، لحين سماعنا ضجيجا غير اعتيادي في الشارع.

بعد ذلك الاجتماع تعددت لقاءاتنا واجتماعاتنا في بغداد واربيل لحين تفجر انتفاضة اذار ١٩٩١. وخلال تلك الفترة كانت لي سفرة مشتركة مع ابو علي من اربيل الى بغداد قبل شن الحرب باسبوع واحد، بصحبة قريبه نوزاد. تصرف معي ابو علي وكانه المسؤول عن حياتي وحمايتي ووضع السيارة التي معه تحت تصرفي للحركة في بغداد، ووفر لي سكنا الجأ اليه مؤقتا ، بعدما وجدت سكان المنزلين اللذين كنت خططت ان الجأ اليهما في بغداد قد غادروا العاصمة الى مدن الاطراف بحثا عن الامان، حين لاحت نذر حرب الخليج الثانية. في هذا المسكن عرفني ابو علي الى جانب نوزاد على آزاد ود. قاسم، والثلاثة كانوا من مناضلي العمل السري يومها، الثلاثة الذين تعمقت علاقتي معهم في وقت لاحق، غير ان غدر السنين وملابسات الحياة شتتنا في زوايا مختلفة.

فرقتني عن ابو علي دروب النضال مع بداية صيف ١٩٩١ ، لنعود ونلتقي في خريف ١٩٩٢ في شقلاوة، حيث تعرفت على زوجته، وفي خطوط وجهها المتعب وملامحه، رغم جماله وملاحته، قرأت قساوة تلك الحقبة المظلمة التي مرت على العراقيين، وتتبعت دروب النضال الشاقة التي تقحمها ابو علي والضريبة الباهضة التي دفعتها زوجته المناضلة وأفراد عائلته.

افترقنا مجددا لنلتقي عام ١٩٩٦ في دمشق، وكان الفقيد يتهيء للسفر في اليوم التالي الى منفاه في السويد.

بقي ان أشير الى ان الفقيد كان من ضمن الرفاق العشرة الذين إختارهم المؤتمر الوطني الرابع للحزب لعضوية اللجنة المركزية.

برحيل الشيوعي الكردي الاممي عزت عثمان تنطوي صفحة مشرقة من السفر المجيد للشيوعيين العراقيين في مسار ظل عصيا على الانكسار لاكثر من أربعٍ وثمانين عاما، رغم كل ادوات الاستبداد والبطش والاغراء التي تعرض لها الحزب ومناضلوه.

نم قرير العين يا أبا علي ولترقد روحك بسلام. ستبقى ذكراك حية في قلوب وأفئدة رفاقك ومحبيك، فالراية التي حملتها وكرست جل عمرك من أجلها ستبقى عالية خفاقة حتى يتحقق حلم حياتك في بزوغ غد الاشتراكية في ربوع عراقنا الحبيب.

بغداد 13 أيلول 2018