من تأريخ حركة الانصار في اربيل: ابطال السهول الدافئة الشهيد عباس القسم الثاني
يصعب التحدث عن الرفيق عباس ، دون المرور عن تأريخ سرية اربيل وإنجازاتها.
في 31 اذار1981 تشكل الفوج الخامس – اربيل، في ورته تحت اشراف وقيادة ملازم خضر. وتحولت الفصائل الى سرايا. أصبح الرفيق عباس عضو مكتب السرية ومعاون للرفيق آمر السرية مام عجيل.
هناك في ورتة تعرفت على الرفيق عباس. كان ودودا ولطيفا، وهو وغيره من شجعني على التعلم السريع للغة الكردية. كان لا يتكلم العربية، بشكل جيد، يسمع مني العربي ويجيبني بالكردي دون اية اشكالات، بل بالعكس من ذلك ، خلقت هذه الطريقة توليفه حلوة، لإدارة الحوار والمزاح بين الرفاق.
كانت الصفة التي تطبع بها الرفيق عباس في العمل، والتي طغت على شخصه، صفة الحسم وعدم المهادنة، والبعد كل البعد عن الدبلوماسية.
ظل الرفيق عباس مشاركا اساسيا، في كل المفارز التي تعمل وتنطلق في " بسط الشرغة"، من تأريخ تشكيل الفوج حتى اعادة تشكيله في اواخر أيار1982 . بعد اعادة التشكيل، اخذ عباس مكانه كآمر سرية اربيل، ومنذ ذاك التأريخ وحتى استشهاده في واقعة خيانة "ممو" في 11/11/1984 .
كانت سرية اربيل، منذ اعادة تشكيلها في ايار 1984، وحتى معارك باليسان ضد اوك في قمة نشاطها في سهول اربيل، وعملها يمتد من المدينة اربيل الى ديبكة و مخمور وقرى تلك المناطق، وهذا ما كان واحد من اسباب استفزازات " اوك" لقوات انصارنا. كان نشاط السرية حصيلة عمل جماعي من ابطال متعددين، امثال الشهيد ويسي، داود ، سرباز، بريار، كارزان ، ابو دنيا، صادق، فتاح، كاكه ره ش، كارزان، وغيرهم. ولكن دور الرفيق عباس كان يكمن في التنسيق بين تلك الجهود وادارتها. حتى اننا كنا نشهد ذهاب ثلاثة مفارز ، الى ثلاثة جهات مختلفة في نفس الوقت.
في يوم 24 تشرين الثاني 1982 ، كنا سبعة انصار، متخفين في وديان جبل "القرة جوغ" الصخري المعقد. وبالضبط فوق قرية ( خضر جيجة). تعودنا ان لا نسأل لماذا نحن هنا. في الغروب، وقبل النزول الى القرية شرح لنا الرفيق عباس المهمة، حيث طالبنا باليقظة والحذر، وشدد عليَ على عدم استخدام القاذفة ، بل فقط للتهديد. كان الهدف هو تجريد تلك القرية من بنادق الجيش الشعبي. كانت الخطة، والتي نجحت بالكامل، ان تقسم المفرزة الى ثلاثة مجموعات، كل مجموعة تحل ضيفا على واحد من اصحاب البنادق، وان تجلس وتتناول العشاء، ثم بعد ذلك تتم المطالبة بشكل ودي بتسليم السلاح. لان مسلحي القرية لا يظهروا علنا ببنادق الجيش الشعبي، بل بشكل سري ومستور يشاركون نشاطات الحكومة. نفذنا السيناريو بالدقة. كنت سوية مع الرفيق عباس ونصير آخر ننتظر طعام العشاء الذي تعده العائلة. بعد اقل من نصف ساعة، جاءنا الشهيد اسماعيل – نادر- والشهيد بريار، ورفيق آخر، جاءوا الينا، وقد انتزعوا اثنين من البنادق، دون ان يتناولون عشاءهم، فقد وجدوا صاحب الدار وابن عمه متأهبين للانطلاق خارج القرية. كان صيدا سهلا. وهنا غير عباس من الخطة ، ودون ان يحترم جوع بطوننا، طالب صاحب الدار بتسليم بندقيته فورا، وان يكون صديق لنا. انكر صاحب الدار حيازته للبندقية، فما كان من عباس الإ ان يصفعه على وجهه. لكن عائلة صاحب الدار ومن شدة خوفهم، وضعوا بندقية رب الاسرة تحت وعاء غسيل في وسط الدار. كان بريار قد لمح الحركة من النساء. ذهب وقلب الطشت، وأخذ البندقية. ثم تناولنا العشاء. شكرناهم وصافحنا صاحب الدار وطالبناه بالكف عن التعاون مع السلطة. جاءت المجموعة الاخرى ببندقية أخرى، ثم توجهنا جميعا على آخر الاسماء من الرجال اصحاب السلاح، الذي افاد بترك بندقيته في مدينة مخمور. تم تغريمه مبلغ الف دينار عراقي، دفعها في الحال.
كان عباس اشدنا فرحا، خاصة كنا بحاجة الى المال. حصلنا على ستة بنادق والف دينار، قبل ان نقفل راجعين الى بسط الشرغة.
بسبب استمرار القتال الداخلي مع مسلحي اوك، الذي امتد من نيسان 1981 وحتى نهايات صيف 1986 ، وانحصار العمل التقليدي الانصاري في المناطق الريفية، استجدت فكرة العمل في داخل المدينة لدى الرفيق عباس ورفاقه بريار وسرباز وداود، وتم بناء تصور محدد على مهامهم. نقلوا افكارهم الى قيادة القاطع ،عند عودتهم الى بارزان في ربيع 1984 . تبنى ابوحكمت تلك الخطط حول العمل من داخل المدينة، وعاد عباس مع رفاقه الى اربيل يوم 24/6/ 1984، ليكون وليمة دسمة، هو ورفاقه، لكلاب صيد السلطة، لتنقض عليهم في قضقضاتها. كان ذلك ليلة 10-11/11/ 1984.
وداعا ايها الابطال ، سنتذكركم دائما . لترقد ارواحكم بسلام.