محطات في لقاء الراحل الرفيق النصير ابو شاخوان

لكم جميعا تعازينا الحارة ..

لروح الرفيق ابو شاخوان الف سلام ..

ليس من السهل من ان تعبر عما يجول في خاطرك  ما لم تسجل المحطات ولم تقترنها بالصور الحية ومنها الصور التي كانت تحكي للقاصي والداني وتضيف معاني اضافية للكتابة في اوقات متفاوتة من الزمن القاسي .

لا اعرف من اين ابدا والى اين انتهي ؟

احقا تلك المحطات الزاخرة بالنضال تكفي للتعبير عن ماهية رفيق مناضل كرس جل حياته من اجل القيم والمباديء ؟

ام ان المدون والذي نعبر  عنه  عما هو في الخلد من صور .. هو الذي يكون شاهدا على العصر؟

فرنسيس حنا يلدا / ابو شاخوان ..

كان سياسي شيوعي وعسكري مخابر قبل ان يلتحق بالجبال الشامخة قبل نكسة شباط من عام ١٩٦٣ من القرن المنصرم ، وهنا لست بصدد وضع النقاط على الاحرف بخصوص النكسة  بقدر ما هو الموضوع الرفيق ابو شاخوان .

المحطة الاولى .. ( ١ )

وفي ذات يوم من عام ١٩٦٧ ، بينما كنت اعمل في بغداد العاصمة المستباحة والكتيبة وتعاسة الوضع السياسي والاقتصادي المزري والاجتماعي التعبان لاغلبية العراقيين وما الى ذلك من سوء الاوضاع لكون السجون والمعتقلات كانت مزدحمة بالنزلاء السياسيين والمفصولين من الوضائف وسحب اليد وكثرة العاطلين العمل واستمرارية الحروب الداخلية والخارجية ومنها حرب الايام الستة في حزيران ١٩٦٧ .

بينما كنت ناوي من الدخول الى المحل الراقي لحلويات الشكرجي في باب الشرقي ( باب الشرجي ) لتبضع البعض من الحلويات ومنها البقلاوة ، واذ التقى نظري بشاب ذو ملامح وضحكة معبرة .. واستوقفني السوعال في خاطري .. ابو شاخوان في الجبال .. فماذا يفعل هنا؟!

فتحية وسلام ومصافحة وخيرا الانتظار .. تفضل لتحل علينا ضيفا عزيزا ومساكننا قريب من هنا .. الا انه مبديا استغرابه من اكون انا ؟

وشاكرني على الدعوة .. ومبديا ومتجاوبا .. انتظر صديق!

ويبدو كان العمل السري هو الذي قدم من اجله وحسب قوله فيما بعد سنوات من انه كان ينتظر الرفيق عزيز محمد ، سكرتير الحزب الشيوعي العراقي.

المحطة الثانية .. ( ٢ )

بعيد بيان اذار التاريخي في عام ١٩٧٠ من القرن الماضي ، ونزول رفاق وانصار الحزب الشيوعي العراقي الى المدن والبلدات بغية لقاءات عواءلهم واهاليهم ومحبيهم  بعد غياب سنوات عديدة ، بحيت استغلوا الفرص المتاحة للسلام الموقوت بين الحركة الكوردية والدولة العراقية ابان سنوات اربعة مفعمة بالنكسات والموءامرات والتحديات التي كانت نتايجها الحرب اللامحالة من ١٩٧٤ - ١٩٧٥.

كان احد الرفاق قد قرر الزواج  في عرس الزواج واذ كان المدعوين كل الرفاق الانصار على العرص ومنهم .. ابو عايد ، ابو نصير ،  نجيب حنا ، يوسف شعيا ، توما شعيا ، عوديش القس يوسف ، فرنسيس حنا ،  كاتبي الكبير  ، ورفاق اخرين لا تسعفني الذاكرة من ذكرهم ، وكان العرس بالقرب من مزار مارت شموني والساحة الواسعة للدبكات والرقصات .

علما كان الامن يتابعون حركات الرفاق وارادوا من ان يخلقوا فوضى ، وسرعان ما انسحب البعض من الرفاق من العرس ومتوجهين الى البعد عن المنطقة .

المحطة الثالثة .. ( ٣ )

كنت عسكريا في محافظة الديوانية او القادسية ، وعند بدء القتال والاقتتال الداخلي بين المركز والاقليم وقبل اندلاعه بايام تحركت القطعات العسكرية للجيش العراقي من الجنوب والوسط متوجهة الى الشمال وكوردستان ، وكانت حركة لواء الاول و فوجنا الثاني ،  لواء الاول الالي المجحفل متوجها من الديوانية والى الحلة ومن ثم بغداد ، بعقوبة ، خانقين ، كركوك ، قره هنجبر ، جمجمال ، سنكاو ، كويسنجق ، جوارقرنة ، رانية واخرها قلعة دزة .

كركوك النفطية .. ومحلية الحزب الشيوعي العراقي في محافظة كركوك.

بالرغم من ان التعليمات الحزبية والتوجيهات للرفاق الملتزمين حزبيا بعدم التردد الى المقار وهم عساكر ، لكون الممنوعات قد شاهدت طرقها الى كافة التنظيمات الحزبية ، الا ان الضرورة تجد طريقها لكسر الممنوعات والخوض في تلك التفاصيل يقودنا الى امور اخرى ويتشتت الموضوع الشائك !

وبدا القتال على اشده بين طرفي النزاع ، بينما كان معسكرنا مقابل معسكر خالد ، وحوالي اسبوعان من الزمن وكان ربيعا ممطرا ، وعشرات الالاف من العواءل والمقاتلين التابعين للحركة الكوردية قد تركوا منازلهم ليلتحقوا بالجبال وما وراء الجبال .

ورباط الكلام باختصار .. كانت الحياة في كوردستان تشبه الجحيم ، من طرف الحصار المفروض من الحكومة على عموم الشعب ، ومن الطرف الاخر  توسع وتعدد جبهات القتال والخسائر البشرية والمادية بازدياد دائم.

الرفاق جمعة وعاصي ..

الرفيق جمعة السياسي والرفيق عاصي العسكري والممثلين عن الحزب للعلاقات مع وحدتنا العسكرية في اي تحرك نحو الامام ، وبدات الحركة نحو  ( قەرەهەنجیر ) ومن ثم الى الطريق الموصل الى ( چەمچەماڵ ) ، وکانت المعارك على اشدها وخاصة القناص والمدفعية والطائرات ، واستمر القتال وكثرت الجبهات القتالية والقتلى والجرحى والخسائر بين الطرفين ومنها خسائرنا المرئیة .

ونظرا لتطلب حالة معينة وخبر ضروري ينبغي ايصاله للحزب ، فتوجهت الى مقر محلية كركوك للحزب والتقيت الرفاق كريم عيسى  ابو نزار  وفرنسيس حنا ابو شاخوان وابلغتهما بالامر ، فشكروني على ماقمت به  من ايصال المعلومة بالرغم من الممنوعات وخطورة الموقف في حالة تعرضي للاستفسار!

المحطة الرابعة .. ( ٤ )

عند تسريحي من الخدمة العسكرية وتنفس الصعداء والعودة الى الحياة الحزبية العملية والتنظيمات العديدة والمتنوعة ، ومن خلال المشاركة في اللجان والهيئات والمحاضرات والاجتماعات الحزبية والتي تخص تنظيمي وليس التنظيم الخاص بالرفاق ابو جنان وابو شاخوان لكونهما من الكوادر المتقدمة والتزاماتهما الحزبية ، واثناء مشاركتي الى جانب العشرات من الرفاق من الكادر الحزبي المتنوع  في اللجنة العمالية لمحافظة اربيل وفي لجان العمل الايدلوجي  للحزب وفي مقر اقليم كوردستان ووفد المانيا الديمقراطية من اللجنة المركزية للحزب الشيوعي الالماني  وللايام الثلاثة والمحاضرات المكثفة بخصوص القضايا الفكرية والدولية والخلافات الصينية السوفيتية .

وفي حينها كان الرفيق ابو شاخوان المسووءل الاداري في مقر الاقليم ، وعند تهيئة وجبة الغذاء للوفد والرفاق الكوادر ، فتبين من ان هناك خلل في عدم تهيئة الرز وطبخه بصورة جيدة مما خلق ضجرا عند شغيلة المقر ، وحال خروجي من المحاضرة ولقاء الرفيق ابو شاخوان ، فكان متذمرا ومستاءا لما حصل ، وبعد الاستفسار منه وتظاهري بمعرفة المزيد واستعدادي لتحضير وجبة سريعة من طبخ التمن على طباخ غاز من النوع الكبير ، مما خلق عند الشغيلة جوا مريحا واريحية وخاصة بعد تهيئة قدر يشبه القزان ، وبنصف ساعة اجهز واصبح جاهزا وحلت المشكلة ، ومن ثم طرحوا علية من ان اعمل شغيلة في المقر وانا ابحث عن عمل لاعيش واعين العائلة وللموضوع قصص كثيرة وعجيبة وغريبة !!!

فقلت لهم .. لم لا ؟!

فقلت ..  بكم من الدنانير العراقية ..؟ فابدوا استعدادهم بخمسة عشرة دنانير عراقية ( ١٥ )!

فقلت .. وهل هذا المبلغ الذي استحقه بمهنة من الصباح وحتى الليل والوجبات ثلاث في اليوم الواحد ؟

قلت اعطوني ثلاثون دينار وانا سالتزم من اليوم ، فرفضوا ورفضت .

....... وتعززت علاقاتنا اكثر فاكثر مع الرفاق الدكتور حبيب المالح ، ابو جنان ، ابو شاخوان  ، اميل حنا ، ابو خانزاد  وسبقهم مع الرفيق حنا يوسف ايشوع والرفاق والاصدقاء الاخرين من طرف ومع مجاميع من الرفاق والاصدقاء الاخرين من طرف ثاني وثالث ورابع وخامس وهكذا الى اخره ..

...... … ..... وفي فترات ما سبقتها ولحقتها تعززت العلاقاتنا العائلية لنلتقي ونحتسي الخمر وما يتوفر لدينا وجلسات مفعمة بالصدق والمودة والاحترام والدردشة والسفرات والنشاطات المتنوعة والمزح والضحكات والقهقات الرفاقية .

المحطة الخامسة .. ( ٥ )

وتدحرجت السنين العجاف وضرب الحزب وشلت تنظيماته وتفرق الرفاق وما ان التقينا في مدينة مهاباد الجميلة في حزيران من عام ١٩٧٩ من القرن المنصرم بعد ان كنا في اجازة راحة لمدة اسبوع واحتضننا الاخ غازي فرنسي وعائلته ابو بشرى وبشار وام بشرى وبشار ، وقدموا لنا الكثير والكثير .

........ ومن ثم عاد ابو شاخوان لتكملة المشوار من مهارات الى ناوزنك والمهمة التي نالت رضا الجميع من الانصار الحزب ورفاقه ، الا وهي البدء بفتح الدورة التعليمية الاولى للمخابرة والمخابرين ال ( ١٢ ) الرفاق الذين تقهروا الصعاب في اواسط من شهر كانون الاول / ديسمبر ١٩٧٩وفي مقرات ناوزنك الشهير .

وفي خلال شهر من الوقت تمكن الرفيق المعلم ابو شاخوان والرفاق الانصار الطلاب من ان يقدموا الصورة الجيدة امام الملاء.

المحطة السادسة .. ( ٦ )

المحطة السادسة .. وذهبت وتلاشت السنين والنضال وسافر الرفيق ابو شاخوان الى سوريا ليقوم بمهام حزبية في دمشق وغيرها من المناطق وحسب الحاجة والطلب  ، بحيث ابتعدنا لسنوات عن بعضنا الاخر ، ومن ثم لقاءه في عام ١٩٩٣ من جديد وعودة الحميمية والعتابات والدردشة ، وما بين السطور  وقبل السطور وبعدها هو اكثر بكثير بعشرات المرات من المدون في هذه السطور لكون كانت علاقاتنا ونحن جميعا في المكان المتميز والمقدر .

فلروح ابي شاخوان والرفاق الشهداء والراحلين عنا الف سلام وتحية ، ومن هنا تعازينا الحارة لعائلة الفقيد ابو شاخوان والعيال والاهل والاقارب والرفاق والمحبين .

٢٠٢١/١/١٠