قريبا من ( كَلي ره ش)

تقلص عدد الانصار، فمنهم من ذهب بلا وجهة!، ومنهم من انتقل الى مكان اخر من الجبل، وغيرهم غادر الى الابدية حيث السفح لا يتسع للجميع!.

وصلتُ الى مقر (موسلوك) الصيفي القريب من (كَلي ره ش) قادما من بهدينان، لعبتُ الشطرنج مع  النصير ابو عشتار وخسرت، فضحك من خسارتي المرحوم  ابو شاكر (ابو انس) الذي احتفى بي في تلك الليلة وامضينا ساعات طويلة نجوب شوارع الناصرية ومقاهيها ووجوه اهلها ونضحك (( جبناها من الروف حتى وصلنا الى المكَيّر))!.

انتقلنا الى مقر (آرموش)، وكان (الخال) الرفيق الفقيد ابو ذكرى، يتمشى فوق سطح الغرفة، الكثير منّا، وخاصة قبل وجبة العشاء، يحلو لهم ان يقضون بعض الوقت على السطح، ربما بسبب طبيعة التضاريس التي تخلو من الارض المنبسطة، او الرغبة في تأمل الحياة عن علو!، وكان (الخال) ابو ذكرى هو شمعتنا في الليالي المعتمة وهو عالمنا الفكاهي في تلك الربوع الحزينة.

هناك رفاق، ومع ان لا علاقة لهم بمسرح سارتر ولا فكاهة برناردشو (ومنهم فقيدنا العزيز الخال ابو ذكرى)، لكنهم يملكون موهبة ساحرة في الكلام والغناء وحركة الحواجب!، عندما تجلس معهم لا تشعر بالملل، هؤلاء وبقدر ما عبروا عن انفسهم، الاّ انهم حاولوا قدر ما يمكن تخفيف جرعة المرّ، خاصة في السنوات الاخيرة من الحركة حيث اليأس لم يعد توأما للأمل!.

عندما تتأمل تلك السنوات وذلك المونولوج الداخلي للانصار والذي يطول ويقصر حسب الظروف وله افعاله وايماءاته واشكاله الحركية والانفعالية، لابدّ ان تكتشف بأنّ التجربة الانصارية بكل ما فيها من مآثر للانسان في قدرته على التحمل يمكن تشبيهها بصفحات مقتطعة من ((هوميروس))، الفارق بينهما هو ان الانصار بشر حقيقيين جاءوا بارادتهم لمواجهة الشر، امّا بشر ((هوميروس)) فهم عبارة عن حجارة تتقاذفها الآلهة!.