في حياتنا الأنصارية الكثير من المواقف واللقطات الجميلة، وفيها ايضا الكثير من ما هو مرّ، لكنها لحظات ووقفات لها طعم خاص في تلك الظروف الصعبة، وتبقى هي ذكريات من عبق ذلك الزمان، أجد من الضروري تسجيلها، فهي من يوميات الحياة الأنصارية، وأقترح أن يكون لمواقعنا الأنصارية في ينابيع والفيسبوك وغيرها ابوابا لتسجيل تلك القفشات والمواقف، لكي تبقى، ويطلع عليها الاخرون كجزء من حياتنا الجبلية.
وها أنا أبدأ...
1
في موقع أنصاري خلفي، سنة 1982 ، كان يضم العديد من الرفيقات والرفاق وعوائلهم، وكانت الرفيقة أم سوزان والرفيق أبو سوزان في الخدمة الرفاقية لإعداد الطعام، امّا الوجبة المخطط لها فهي: (جلفراي)، وكنا ننتظرها بفارغ الصبر، وعندما حان الوقت، ووُزع الاكل على الانصار، فشعرنا بشيء غريب فيه، انه ليس (الجلفراي) الذي نعرفه وننتظره، بل كان عبارة عن (سوبه) خفيفة فيها القليل من اللحم والبهارات، فاستغربنا وبقينا ننظر لبعضنا ونتساءل ما هذا...؟
وبدأت التعليقات والضحك، وسماه احدنا قائلا: هذا جلفماي وليس جلفراي!، وبعد التدقيق تبين أن القدر (أناء الطبخ) قد سقط على الأرض وتم رمي معظم اللحم بسبب أتساخه، وما تبقى فهو قليل لا يكفي فأضافوا له الماء والبهارات، لعل ذلك يمر على المساكين الجياع.
2
كان للأنصار خيال واسع جدا يتجاوز الجبال والهضاب والغابات وينطلق بعيداَ، فقاموا بتشكيل جمعيات خيالية منها جمعية جبر...، وجمعية رباب على أسم المطربة رباب، حيث كانت أغانيها تذاع باستمرار عبر الراديو، وكان العديد منا معجب بصوتها وأغانيها، وفي يوم من الأيام غنت رباب أغنية للمجرم الطاغية صدام، فقام أعضاء الجمعية بإعلان إفلاس (جمعية رباب)، على غرار إعلان إفلاس الأممية الثانية!.
3
كنا في مقر الفوج الثالث، كلي هصبة (وادي الخيول)، وكانت الرفيقة الفقيدة الغالية دروك في المقر، وبسبب قلة المواد الغذائية وعدم تنوعها، قالت حضروا لي حليب وخميرة الجبن من القرى وسأعمل لكم جبن، وفعلا قام الرفاق بإحضار الحليب وخميرة الجبن المطلوبة، فقامت الرفيقة بإعداد الجبن يساعدها فريق عمل لكبر القدر، وبعد أن أكملت ذلك قامت بتغطية الأناء وتدفئته، وفي اليوم الثاني على ما أتذكر فتحت الغطاء لترى النتيجة، وبعد التصفية وما رافقها من غمز ولمز!، تم توزيع ما يسمى بالجبن، ولكن ما نراه في الصحن، لا هو جبن ولا هو لبن، فقمنا بتسميته ((لجن دروك))، وهي كلمة تجمع بين اللبن والجبن...وأجمل شيء كانت الفقيدة تضحك ضحكتها المعروفة من كل قلبها الطيب.
4
وما زلنا مع الرفيقة دروك، وفي نفس موقع الفوج الثالث، أرادت مرة أن تعمل لنا مربى بموسم الصيف لكثرة الفواكه في المنطقة، فجمع لها الرفاق الفواكه المطلوبة، وتم توفير السكر بكميات جيدة مع بعض المطيبات التي طلبتها، وشرعت تعمل المربى، وانتظرنا، وبعد اكتمال العمل وتوزيع المربى...، لم يعجب الرفاق الذين لا يعجبهم العجب، وكان لابد من التندر، وأطلقنا عليه ((مربى دروك))، وكانت الرفيق تضحك بحب، وكنا سعداء معها، كم كانت رائعة... لها الذكرى العطرة