انهـم قوميون متعصبون، فلاحي العقلية، لن يقودوا شعبنا الكردي إلا الى الإنحدار، هـكذا كان يتحدث عندما إلتحق بالانصار تاركا صفوف الحزب الديمقراطي الكردستاني الذي لم يمض معه سوى بضعة اسابيع.

كان متحدثا ماهـرا وقارئا ممتازا، يعرف الكثير عن الاشتراكية وجون بول سارتر وفن أنجلو كما نهـج البلاغة، وكان مغرما بشعر شيركو وروايات ماركيز، لكن شيئا ما في نظرة عينيه يجعل الكثير من الرفاق يتضايقون منه، ربما كان يحدق بما يشبه نظرة الاختلاس، أو ابتسامته الممزوجة بالخبث تجعله غير محبوبا عند الكثير.

  • رفيق لا تنسحب قبل إبلاغي

كان يبعد عني بعض الخطوات عندما بدأ الجحوش يتقدمون نحو التلال والمواقع التي كنا نتمترس بهـا لنتصدى لتقدمهـم من مدخل مدينه دهـوك نحو القري المحررة في منطقه الدوسكي.

  • أوميد وينك، إنهـم يصعدون نحو مواقعنا

ألقيت نظرة نحو الحجر الكبير الذي يختبئ تحته، إختفئ أوميد ولم يبق سوى صوت الرصاص الذي كان يئز فوق رأسي ويضرب الحجر الذي احتمي به، فقررت الانتقال الى احدى الربايا القديمة التي كان يتحصن بهـا الرفاق، وقبيل الوصول اليهـا بعدة أمتار، اوقفتني لكنة (التواو ته واو)، إنهـم يتحدثون بالسوراني، يا الله انهـم جحوش، فبدأت اتدحرج نازلا نحو الوادي والرصاص ينهـال علي من كل صوب، فنجوت بأعجوبة من موت محقق أو اسر اكيد.

عدت الئ المفرزة وأنا في حالة غضب شديد

  • گواد انا مو گتلك ما تنسحب قبل ما اتگلي، مو اتفقنا علئ هـيچي؟

تطلع الي بصمت بنفس النظرة اللئيمة ونفس الاصفرار الشاحب في وجهـه، ولم يهـتم المسؤول العسكري ولا السياسي كثيرا بما حصل.

  • المهـم انت رجعت بسلام ابو الحق

كان اكثرنا نشاطا في جمع التبرعات للحزب وتوزيع المنشورات واقامة الندوات السياسية، لهـذا يرغب الكثير من البيشمرگه في التوزع معه عسى ان تكون وجبة العشاء دسمة، لكنه كان منحوسا حيث كان طبق البرغل والجاجيك نصيب من يتوزع معه.

في خيمة قرب احدى (اشكفتات) الفوج الثالث حيث كنا نخبئ السلاح والعتاد في داخلها، أقيمت دورة حزبية لبعض الأنصار، وكنت انا واوميد من ضمن العشرة المختارين للدراسة.

  • أوميد دير بالك على اعيونك من القراءة

كان يصر على ان يكون الأول علئ الدورة ويحفظ دروس ثورة أكتوبر ومقالات لينين عن الاشتراكية والطبقة العامله والفلاحيين.

  • رفاق غدا غدا

تجمع الرفاق ثلاثة ثلاثة في زوايا المطبخ غيرالبعيد عن مشجب السلاح حول طبق (اليابسة وتمن) الوجبة التي تتكرر في الأسبوع أكثر من مرة، وبينما كنا نتسابق في انهـاء طبق الأكل أملا في الحصول على الزيادة (عوازة هيا)؟!، وإذا بدوي انفجار هـائل هـز جبل متين، وأعقبته انفجارات اخرى متعاقبة، فظن الكثير منّا بأننا نتعرض الى هجوم وأسرع البعض لاحتلال المرتفعات، بينما هرع البعض الاخر لإطفاء الحرائق بطريقة عشوائية، وكان الفقيد النصير ملازم فائز يبعد الرفاق عن موقع الانفجارات من باب الحذر من تكرارها مرة اخرى.

عندما هـدأت الانفجارات، كنّا في صدمة مما حصل، من الذي اخترق المقر في منتصف النهـار، لا بد ان عميلا كان بيننا، بدأ الجدل والشك ينتاب الجميع خصوصا نحن في الدورة الحزبية.

كان دكتور سليم والمسؤول العسكري عن الفوج الثالت العميل ابو طالب يتولون التحقيق في بداية الامر، ثم تقرر ان يأتي الرفيق الفقيد ابو شهـاب للتحقيق وكشف ملابسات ما حدث عسى ان نتوصل الى الحقيقة.

جمعنا الرفيق ابو شهاب في غرفه صغيره بالقرب من السجن وقال: (الكل يعرف ان واحدا منكم هـو من قام بتفجير (الاشكًفته) والسلاح الذي فيها، لقد وجدنا فانوس الدورة الحزبية بالقرب من المشجب).

ازداد الخوف والقلق ونحن ننظر بوجه بعضنا البعض، من يكون الخائن منا. حدّق بنا ابو شهـاب وطلب بعد ان وزع كسرة من الخبز اليابس على كل واحد منّا، وطلب من الذي يأكلها اولا ان يخرج من القاعة. لم افهـم مما يحصل حين بدأ بعض الرفاق يلتهـم الخبز ويخرج، وعندما حان دور أوميد كنت أتذكر تلك الابتسامة والنظرات الغريبة، كان وجهـه شاحبا وهـو يطلب الماء من الرفيق ابو شهـاب......

  • ممكن اشويه ماي ما اگدر أبلع الخبزه

طلب منه ان يخرج .

أكملت اكل الخبز اليابس من دون ان فهـم ما يحصل، فقط عندما اوقفني ابو شهـاب قائلا: رفيق بيمن اتشك؟

  • والله صعب، والله ما اعرف، لكني رويت له قصة انسحاب أوميد وقصة إطلاق الرصاص على رفاقنا في فترة حراسته.
  • صعب رفيق اشك بأحد، لكن واحد منا هـو الي فعلهـا

حينما أُدخل اًوميد السجن ثار الكثير من الرفاق اعتراضا على اعتقاله، فهو الاكثر نشاطا ومثقفا جيدا وله مستقبل في الحزب فلا يجوز اعتقاله أو الشك به.

كان ابو روزا الفوج الثالث بجسمه الغليظ أكثر حنقا عليه، وكان فرحا باعتقاله، وربما كانت عضلات يديه مع الرفاق الأخريين سببا في ان يعترف.

  • انا ضابط في المخابرات العراقية، وأخي مسؤول التحقيق في الحزب الديمقراطي الكردستاني ضابط مخابرات ايضا وهـو الذي أعطاني التعليمات بتنفيذ الانفجار.

كنت أطل عليه وهـو في السجن، وهـو ينظر لي بانكسار بنفس طرف زاوية العين الخبيثة، وبذلك الاصفرار المريض.

سالت الرفيق ابو شهـاب لاحقا، عن خبز العباس الذي اعطانا؟، ضحك وقال في كليه القانون في موسكو.

عن النصير الشيوعي