في الحديث الصامت، داخل ذات كل رفيق، يمتاز (دشت صبني) في العمادية، بمنزلة خاصة. عندما دخلنا مقر الحزب هناك وجدنا عيونا كثيرة تنظر وتدمع من فرح اللقاء بعد سنين طويلة، وكالماء الذي يفتح مجراه مرة أخرى بعد جلاميد السنين، التقت المشاعر وتداولت أخبارها، وكأنه لم يمر عليها غير أسبوع واحد من الفراق. كان الرفيق ماجد لولب الحركة في ساحة اللقاء، وانتهينا بمشاعرنا وتواريخنا الشخصية إلى مجموعة فتية تتحدث بلسان الجرأة والتخطيط لعملية ناجحة يقودها الرفيق توفيق آمر السرية الذي جلس متكئا على الكرسي يضم ابتسامته براحة يده..
_ عند توجهنا إلى ربيئة برجي التي مررنا عليها أثناء ذهابنا صوب جهة أخرى، كان النقاش حادا حول موقع الربيئة، المكان مزروع ببيوت عديدة، نبتت كالأشجار، مما أثار النقاش المتعارض حول موقعها.. كانت قريبة من شارع سالك كطريق للسيارات العابرة وان فتحتها على الشارع عبارة عن هضبة بسيطة سهلة الاجتياز، ولكننا لم نر حدبتها الثانية البعيدة عن الشارع.. وكان الرفيق أبو ولاء والرفيقة عايدة يتذكران سماء هذه الربيئة وما يحيطها، بينما طرح الطرف الآخر أن الربيئة المقصودة كانت عالية وصعبة الاجتياز.. ولحسم الأمر نزل الرفاق إلى الأهالي .. كانت الذاكرة التي عبرت الزمن قد أكدت أن هذه هي الربيئة المقصودة.. فيها جرح الرفيق أبو ولاء.
وعلى طريق لسان الشارع الطويل دخلنا ديرلوك، كانت عامرة، شاهقة في مبانيها وأسواقها وعلق الرفيق أبو حيدر وأشار بعد اجتيازها إلى منعطف في جبل جانبي، إن هذا المكان امتداد لنهر شين( الأزرق ) الذي نعبره صوب سوران وخاصة إلى بشتا شان، وظهرت من بعيد قرية شيلادزه ثم سيريا، وكان شروح الرفاق لهذه المناطق واضحة ومعلمة بمسيرة نهر الزاب والجسور والمرتفعات التي تومئ إلينا بأصابعها الحجرية.
في طريق الباص لا يمكنك إلا أن تتكأ على احد الجبال في خيالك وترنو، ترنو وتخاطب بصوت هائل كل الطرقات والدروب والمرتفعات والقمم التي عبرت، وعندما وصلنا إلى "كلي بالندا" .. روى الرفيق توفيق مأثرة الرفاق الذين وقعوا في كمين نصبه الجحوش، وعلى نفس المكان على الكتف الأيمن من "الكلي" وبطلب من الأهالي تم رفع الألغام الموجودة في طريق إحدى الربايا ومحيطها، فتم رفع 39 لغم من قبل مجموعة المتفجرات التي كانت من الرفيق أبو محمد والرفيق أبو ولاء والرفيقة عايدة وآخرين. هذه الألغام أودت بحياة بعض الرعاة وأعطبت البعض الآخر، كما أودت بحياة العشرات من الجديان والبغال، كانت الطريق الى هذا المكان صعبة، ونحن ننظر إلى نهر الزاب الجليل، كانت قوافل من السيارات تعبر الحاجز الى قرب من الحدود التركية.
وعند العودة كانت لنا صحبة وفاء من احد الرفاق حيث المطعم الجميل، على حافة النهر المهيب، ووجبة من السمك اللذيذ.
انطلق الباص في جو غائم ورشقات من رذاذ إلى دهوك فودعنا الرفيق توفيق والرفيق ماجد عمادية واتجهنا على طريق تبقعه قطرات المطر الذي زاد واتسعت مصافحته لمسيرتنا باتجاه اربيل.. الماء خير وما عملناه كان لب الخير لم تمحوه السنوات أبدا.