الغشّ والتدليس .. حتى في البرلمان! / عدنان حسين                 

لو كنّا في بلد آخر يتمتّع بدولة تحترم نفسها أولاً ثم تحترم مواطنيها وتراعي مصالحهم، لكنّا منذ يوم أمس قد مادت بنا الأرض تحت وطأة زلزال سياسي يتجاوز في قوته أعلى درجة سجّلها مقياس ريختر للزلازل حتى الآن.

ما كشف عنه أعضاء في مجلس النواب على هامش قضية منع حملة الشهادات دون البكالوريوس من الترشّح إلى الانتخابات البرلمانية القادمة، هو فضيحة كبيرة بكل المقاييس، فثمة العديد من أعضاء الهيئة التشريعية العليا في البلاد، مُنتجة القوانين والرقيبة على كل شئ، ينتهكون القانون جهاراً نهاراً، وثمة العديد غيرهم يتواطؤون معهم ويدلّسون في عملية لتبادل المصالح والمنافع الشخصية والحزبية  المتجاوزة على المصالح العامة التي عُهِد إليهم بمهمة رعايتها.

أعضاء مجلس النواب من حملة الشهادات دون البكالوريوس اعترضوا على تعديل قانون الانتخابات لأنه يحرمهم من الترشّح مجدّداً، وذهبوا إلى المحكمة الاتحادية للطعن في التعديل. المحكمة ردّت طعنهم، فعادوا إلى المجلس ليطلبوا تعديل القانون المُعدّل للتوّ بإلغاء ما يمنع ترشحّهم.. لتمرير ما يريدون هدّد البعض منهم بأن المجلس إنْ لم يحقّق لهم ما يريدون سيجدون أنفسهم مضطرّين للكشف عن عملية غشّ وتدليس مارسها زملاء لهم، والمنطق يقول إنّ هيئة رئاسة البرلمان لابدّ أن تكون على علم ودراية بالأمر لكنّها تُدلّس هي الأخرى !

 نواب مُضارون من التعديل هدّدوا، كما جاء في الاخبار أمس، بأنهم ما لم يحصلوا على تعديل جديد يُلغي التعديل السابق، سيدعون إلى التحقيق مع 13 نائباً حصلوا على شهادات عليا وهم في الخدمة أثناء الدورة البرلمانية الحالية من دون تفرغهم للدراسة كما يقضي القانون الذي يحظر على موظف الدولة الجمع بين الوظيفة والدراسة. وقال هؤلاء النواب إنهم سيكشفون أيضاً عن وجود 30 نائباً آخرين لديهم شهادة البكالوريوس لكنّهم لا يمتلكون شهادة البكالوريا (الاعدادية) التي يُلزِم القانون بحيازتها في سبيل الانتقال الى الدراسة الجامعية!

الفضحية الكبيرة أن مشرّعي قانون ينتهكون القانون بالجمع بين عضوية البرلمان والدراسة.  والفضيحة الاكبر أن مشرّعين آخرين على بيّنة من هذا الانتهاك ولم يفعلوا شيئاً إلّا عندما أصبحوا في وضع  تهدّدت فيه مصالحهم الشخصية، فيلجأوا إلى الأخذ بقاعدة "عليّ وعلى أعدائي" ..!

أما الفضيحة الأعظم فهي غير المكشوف عنها حتى الآن، أو بالأحرى غير المتداول بها علناً،  وهي تكمن في واقع أن في هذه الدولة ثمة الكثير من الانتهاكات للقوانين والانظمة، مسكوت عنها ومُتستّر عليها على النحو الذي تفضحة قضية الشهادات في مجلس النواب.

.. ويقولون لك إنهم  مُنصرفون إلى، ومنكبّون على، إنشاء دولة وإقامة نظام حكم.. ويريدونك أن تصدّق بما يقولون .. !!