19/11/2023

لو رجعنا بالبصر الى الوراء قليلا ، ونظرنا الى بداية العمليات الأرهابية التي قامت بها العصابات الصهيونية المجرمة كالهاجانة  وإرجون وبينار وشتيرن وبلحاح  وتحت ظل الأنتداب البريطاني على فلسطين أنذاك ، وبدعمهم  ، تمهيدا لتنفيذ وعد بلفور المشؤوم على الواقع ، حيث قامت تلك العصابات الصهيونية بارتكاب ابشع الجرائم ، بالهجوم على القرى الفلسطينية وقتل وتهجيرالسكان من قراهم وسلب ممتلكاتهم .

وعقب إنهاء الأنتداب البريطاني على فلسطين ، أعلن ديفيد بن غوريون الرئيس التنفيذي للمنظمات الصهيونية العالمية ومدير الوكالة اليهودية ، قيام الكيان الاسرائيلي واحتلال اليهود الى ما أسماه (ارضهم التأريخية)،

وهذا الأعلان لم يأت  بشكل مفاجئ وبغفلة من البريطانيين ، بل  بعلمهم وبالتنسيق معهم ، وليس بدعم البريطانيين فقط ، وانما بدعم الأمبريالية العالمية  والدول الأستعمارية الغربية .

فما كان من الدول العربية إلّا القيام بالحرب على هذا الكيان في مايو 1948، كالمملكة الأردنية ، والمملكة المصرية ، ومملكة العراق والمملكة العربية السعودية  وسوريا ولبنان ، فكانت تلك الحرب ضد العصابات الصهيونية من عمق مشاعر الجيوش العربية ،  ولو لا خيانة الحكومات العربية المنصّبة من قِبَل الدول الاستعمارية ، بريطانيا وفرنسا  ، لكانت منتصرة على العصابات الصهيونية ، لأن الجيوش العربية كانت بمعنويات عالية، وبإيمان مطلق بالقضية الفلسطينية  وعدالتها التي هي قضية العرب والمسلمين ، وليس قضية محصورة بالفلسطينيين فقط ، على الرغم من أن التسليح كان  دون المستوى المطلوب،  ومع ذلك أقول ، ويشهد التأريخ والعدو قبل الصديق ، أن الأنتصارات التي قدمها الجيش العراقي أنذاك عظيمة ، وقد حررت جنين، وهي تتقدم نحو التحرير، لولا الأوامر التي جاءت من حكومة بغداد العميلة أنذاك، بإيقاف الزحف في تحرير المزيد من الأرض ، مما سبب ذلك ارباك في صفوف القوات المسلحة، فكان احد الاسباب التي أدت  الى الخسارة في المعركة ، وعلى العموم ، ولنكن صريحين،  هل من المنطقي ان الكيان الصهيوني الذي دعى وسعى الى تأسيسه بريطانيا بموجب وعد بلفور المشؤوم ، وبدعم  بريطانيا، وهذه الوثيقة ..

 "  تنظر حكومة صاحب الجلالة بعين العطف الى إقامة وطن قومي للشعب اليهودي في فلسطين ، وستبذل غاية جهدها لتسهيل تحقيق هذه الغاية .. " ،  وفي ذات الوقت  تدعم الجيوش العربية ( ماما بريطانيا ) لتقتل  ابنتها ( صنيعتها ) اسرائيل على  أيدي الجيوش العربية  التي هي تحت قيادة  الحكومات العربية العميلة لها ، وهي التي اوجدتها بعد اتفاقية سايكس بيكو، وتجزئتها  البلاد العربية في مناطق  نفوذ بين الحلفاء..؟ ! 

فهي مغالطة  لا نقاش فيها ،  في استخدام تبريرات مضللة لأثارة العواطف وحسم النقاش .

ولهذا من البديهي  ان تكون نتيجة  الحرب العربية الأسرائيلية  1948  هي الخسارة .

كما هو الحال  في كل المباحثات التي جرت  في المسارات السياسية بين الحكومات العربية واسرائيل بوساطة امريكية ، ( كامب ديفيد ، اوسلو ووو ..) ! فتلك المباحثات بين العرب واسرائيل بإدارة أمريكا ،  يمكننا ان نشبّهها بما  قاله المتنبي  ( فيك الخصام وأنت الخصم والحكم ) .

 

وبعد نكبة 1948 ، وانتكاسة حزيران 1967 نستطيع ان نلخص أهم الآثار السلبية منها والأيجابية  التي تركتها ،  وبشكل مختصر، وهي على مستويين :

اولا على المستوى العربي الرسمي المتمثل بالحكومات العربية، فهي

كما تعرفون ونعرف  قيامهم وقعودهم  وصياحهم ونياحهم والخطب العصماء ، فكل ذلك ليس أكثر من زوبعة في فنجان ، وهذا منذ الأحتلال  والنكبة في  1948 ولحد الآن ، من تخاذل الى استسلام ، ومن استسلام الى خيانة ، ومن خيانة الى تطبيع ( انبطاح ) بشكل فاضح وواضح ، وبعضهم  شاؤوا أن ينبطحوا في  الظل، خجلين من أن تظهر عوراتهم .

وهل هناك اكثر خذلانا  وخيانة من الحكومات العربية  في ما  رأنياه على  طول امتداد الجرائم الوحشية التي ارتكبها الكيان الصهيوني ، ويرتكبها بحق الشعب الفلسطيني،  وبالخصوص غزة، وآخرها ما نراه اليوم من إبادة جماعية لا مثيل لها .

 ولم يقف  أؤلئك المتخاذلون والمستسلمون عند حدود تخاذلهم  واستسلامهم وانبطاحهم  فحسب ، لا  بل رأينا وأنتم رأيتم  بعض هذه الحكومات العربية المنبطحة  كانت أداة تنفيذ للتآمر  على مَنْ لا يحذو حذوهم في الأنبطاح ، بعد أن  لم  يبق  مَنْ يقف أمام الكيان الصهيو- امريكي ، وبشكل قريب ومباشر ، إلاّ سوريا الصامدة التي لم تستسلم ، وقد دفعت الثمن غالياً على موقفها  الثابت .

أما الآثار التي تركتها نكبة 1948 ونكسة حزيران 1967 على مستوى الشارع والجماهير العربية عموماً ، والشعب الفلسطيني بشكل خاص ، فهي نمو الوعي اتجاه ما يجري على الساحة ، وما يمارسه الكيان الصهيو- أمريكي – غربي، من قمع وتشريد ومعاناة  الشعب الفلسطيني من مأساة وتشريد .

وحقّاً ما قاله ايميل سيوران  " أن تتألم يعني أن تنتج المعرفة " ، وما  النمو النوعي والكمي الذي حصل عند الاجيال ما بعد النكبة 1948 ، ونكسة حزيران 1967 ، إلّا  نتاج لتلك المأساة والمعاناة ، التي أنتجت روحيات عالية ، وبرزت مجموعات من الشباب تحمل في ثنايا ارواحهم طاقات هائلة ، وفي نفوسهم  ارادات فولاذية  عصية على الكسر ، أو الألتواء،  ومن تلك الحصيلة  نمو الوعي، وتحرره من الأطر القومية الضيقة والمشبوهة ، وانطلاقهم  نحو الفكر النضالي الأنساني التحرري   الذي يربطهم بكل القوى الخيرة  المناضلة من أجل العدالة والتحرر من الهيمة الأستعمارية ،  فاتسعت  رقعة هذا التوجه التحرري وتأثر  الشباب  به ، والشريحة المثقفة منهم ، وكان لا بدّ من هذا الانعتاق ، والتوجه الصحيح في المسيرة النضالية ، وهذا ينبغي على  مختلف الميول والأتجاهات، الفكرية والعقائدية والسياسية، يسارية او اسلامية،  وكل حسب امكاناته و توجهاته وقدراته، والكل يصب في بوتقة النضال الفلسطيني، الذي يستقطب كل التيارات الوطنية الثورية وفصائلها النضالية والتحررية .

إذ لم  يقتصر النضال  التحرري على البندقية  ، بل كان للقلم دور بارز ومتميز في المعركة .

فالمشاعر الجياشة، والتفاعل مع القضية لما يعانيه الشعب الفلسطيني من ظلم وسلب لحقوقه ، وتشريده عن ارضه ، و ازدياد حجم  وعمق المآسي التي يعيشها ، قد أدى وساعد على تبلور الأفكارالنيّرة  المتنامية بين صفوف الشباب المتحمس ، فتفجرت الطاقات الابداعية في التعبير عن ما يختلج بين طيات نفوسهم ، فكانت على اشكال تعبيرية مختلفة ، شعرا ، قصة ، رواية ، مقالة ، وتعبيرا بالريشة ، وعلى سبيل المثال لا الحصر، أدب المقاومة،  هذا النتاج المعرفي والحسي  كان وليد رحم المعاناة والمآسي ، وما أنتجه  شعراء المقاومة من أعمال أدبية عظيمة ، تجاوزت الحدود النضالية القومية الضيقة ، الى رحاب نضالي تحرري عالمي ، وتناغمت  نبرات الأصوات التحررية في  انشودة اممية تحررية من أجل غد انساني أفضل ، وكان لهذا التناغم اثر كبير وفاعل في روحية المناضلين السائرين في  طريق ذات الشوكة ، في قصائدهم التي  تشحذ الهمم  في المسيرة النضالية .

 فالقصيدة الفلسطينية  لها  الدور البارز  والملموس من حيث الشكل  والمضمون ، وخرجت من النمطية والقوالب الجاهزة  الى رحاب اوسع من حيث  شكل بناء القصيدة واللغة الحية التي تتناغم مع الحس الثوري للقضية الفلسطينة ، وتناولها  الصور الجديدة في القصيدة  التي تنم عن مدى سعة وعي الشاعر وتأثره بالحداثة والتجديد والمعاصرة .

 وكان أول مَنْ أطلق مصطلح أدب المقاومة  الفلسطينة هو الشهيد الفلسطيني غسان كنفاني  على الأدب الذي بدأ الكتابة في فلسطين منذ 1948 ضد الأحتلال الصهيوني لفلسطين .

وفي الحقيقة أن الأدب ما هو إلاّ فكر مشحون بمشاعر وأحاسيس خلاقة،

   وبصيغة فنية معبرة عما يختلج  في أعماق المبدع ، فيستمد مادته من المحيط  الذي يتأثر به ويتفاعل معه .

 وقد بدأ  النضال والمقاومة المسلحة في حمل البندقية   منذ الستينات  والى ما وصلت اليه اليوم المقاومة في غاية من القوة والعظمة في النضال والمواجهة مع العدو الصهيوني المغرور والمتغطرس ، فكسرت شوكته ، وأثبتت للعالم أن الكيان الصهيوني أوهن من بيت العنكبوت .

وما عملية طوفان الأقصى إلاّ ملحمة اسطورية لم يشهدها تأريخنا المعاصر، بقيادة ثلة من المؤمنين بقضيتهم ، وبإرادة فولاذية ، ووعي  هو نتاج عمر من معاناة ومأساة مارسها العدو الصهيوني وكيانه المغتصب للارض والحقوق ..

فعملية طوفان الأقصى  في الحقيقة ، مهما حاولت أن أجد من بين مشاعري وأحاسيسي وبنات أفكاري تعبيرا ، فأقولها صدقا وحقا لم أجد ما أريد أن أعبر به ، فطوفان الأقصى هو حقّا  طوفان بكل ما تعني الكلمة،  و سيبقى أثره المرعب  في قلوب ونفوس الصهاينة الغزاة، ولا يزول إلاّ بزوالهم  .

وما حالة الرعب التي تأكل قلوب قادة الكيان وعلى رأسهم النتن ياهو ، الذي أعترف  بالسابع من تشرين ، يوم إنطلاق عملية طوفان الأقصى بالأسود ، لشدة هول العملية البطولية ، التي لم يتوقعوها ، ولا مرت يوما حتى في احلامهم ، بناءا على ما يعرفوه جيدا ، وثقتهم التامة  من أن الحكام العرب لا خوف منهم ولا أي شئ هم  يفعلون ، فكان طوفان الأقصى ، هو من أقصى الأحتمالات  وأبعدها ، ولم يكن يخطر  على بالهم  قط ، ولهذا كانت  ردود فعل  الصدمة جعلت النتن ياهو وقادة الكيان الصهيوني  يرتكبون أبشع الجرائم بحق الأطفال والنساء والشيوخ ، وتدمير المستشفيات واماكن العبادة من مساجد وكنائس ومدارس ، وكل ما هو محرم مسه في حالة الحروب ، وذلك لعدم  جرأتهم في المواجهه ، وفشلهم في تحقيق اي نصر على المقاومة البطلة ، وكلما تمادى هذا النتن ياهو في جرائمه ، كلما سارع  في حفر قبره بنفسه  ونهايته التي يحاول ان يهرب منها بجنونه ، وهو كالديك  المذبوح يهرب  من الموت والموت برقبته .

فقوى الشر الغربي وعلى رأسهم أمريكا  وما يقومون  به من هولوكست مفتوح بحق الشعب الفلسطيني الأعزل من أطفال ونساء وشيوخ ومرضى ، فإنهم بجرائمهم هذه  ودعمهم لهذا الديك المذبوح ( النتن ياهو ) لا يمكنهم ان يزيدوا يوما واحدا في عمره ، بل يزيدون الى صفحات تأريخهم الأجرامي  ، صفحات دموية أخرى ، أكثر إجراما ودمويةً ، حيث كشفوا  بهذه الجرائم  عن حقيقة  وجوههم القبيحة  ، بعد أن كانوا يخفوها بأقنعة ( الأنسانية وحقوق الأنسان الزائفة والخادعة.. ) .