من جديد وضع مجلس النواب على جدول عمل جلسته هذا اليوم الاحد، قانون الأحوال الشخصية، بهدف التصويت (إقرأ: فرض التصويت) على التعديلات التي يريد عدد من أعضاء المجلس إدخالها على صيغة القانون النافذ، والذي يعد باعتراف واسع من افضل القوانين في المنطقة. 

ومعلوم ان هذه التعديلات ليست إبنة اليوم، وتعود بداياتها الى أيام مجلس الحكم، وتكررت المحاولات لاحقا وحتى الوقت الحاضر، حيث تمتد اذرع لتمرير مثل هذه التعديلات. وقبل هذا كان هناك قانون العطلات، الذي اقحمت فيه فقرات كثيرة قياسا الى مسودته الأولى، التي عرضت وقتها على مجلس الوزراء، وربما يأتي غيرها في ظل موازين القوى الراهنة في مجلس النواب، ما لم يتم الضغط لأجل عدم تمريرها.

لقد قيل وكتب الكثير عن الإضرار التي يسببها فرض مثل هذه التعديلات، وجرى الرد القانوني على مبررات ودواعي تقديمها، وتم توضيح الاثارالاجتماعية لفرضها ولتأثيراتها على الاسرة والأمومة والطفولة. وكان الصوت الرافض لهذه التعديلات واسعا وعاليا، ومدعّما بالحجج الرصينة وبالحرص على عدم دفع الأوضاع نحو مزيد من المصاعب، التي تضاف الى ما تعانيه العائلة العراقية من سوء الخدمات والبطالة والفقر، واستفحال ظواهر الانتحار والمخدرات وغيرها مما يقلق المواطن.

ومعروف ما تعرض له المحتجون والمعارضون للتعديلات هذه، وما نعتوا به، وما وجه إليهم من تهم باطلة ومفبركة، مُستلّة من خزين خارج الزمن وفاقدة الصلاحية، ولا نريد التوقف طويلا عندها فهي معروفة. وهي في جميع الأحوال لا تعكس الا ضيقا بالرأي الاخر واستغلالا للظرف الراهن لتمرير ما لم يحصد سابقا سوى الفشل.

ولم تقتصر الملاحظات الانتقادية للتعديلات على الصوت الوطني العراقي، بل جاءت أيضا من منظمات رصينة عالمية، كان البعض من المتنفذين يتوسل بها آنذاك لاصدار موقف ولو ببضع كلمات، بشأن ممارسات النظام المقبور القمعية بحق أبناء شعبنا على اختلاف اطيافهم. فيما يعتبر ما يصدر عنها اليوم، مما يخالف رأيه او موقفه، تدخلا في الشأن الداخلي العراقي. ويبدو ان هذا البعض قد نسي او تناسى ان أبواب العراق مشرعة، بفضل نهجه ومنظومته، لمختلف التدخلات الخارجية (خان جغان).

ومن جانب آخر ربما تناسى هذا البعض ان العراق موقّع على العديد من المواثيق والالتزامات  الدولية، التي تلزمه بمراعاة ما الزم نفسه به  ومراعاة ما تنص عليه، بجانب اشاراتها الواضحة الى كون قضايا حقوق الانسان والحريات لم تعد امرا خاصا بهذه الدولة او تلك. واليوم يتم التوجه أيضا الى هذه المنظمات وغيرها، لإدانة مجازر الكيان الصهيوني ومطالبة المجتمع الدولي بالعمل على ايقافها. وقبلها جرى الترحيب بمواقف هذه المنظمات، ومواقف المجتمع الدولي عندما ادانت بحق جرائم المنظمات الإرهابية، وما اقترفت في بلادنا من موبقات وما خلفت من ماسٍ وكوارث. فعلام هذه الازدواجية في الموقف مما تصدره هذه المنظمات، وعلام الاتهامات الباطلة للمعترضين على التعديلات بانهم “أبناء وبنات سفارات” فيما الفضائيات ومواقع التواصل الاجتماعي تنقل صور متنفذين وهم يلتقون مع ممثلي السفارات وغيرها.

ان الأوضاع الراهنة في بلدنا، والتطورات ذات العلاقة بالعدوان الصهيوني، تحتم البحث عما  يعزز الموقف الوطني، ويقود الى تماسك وحدته ونسيجه الاجتماعي، بدل النبش في الإشكالات والخلافات وإثارتها، وبدل استغلال الظروف الراهنة لفرض اجندات معينة، تسبب المزيد من التشظي والانقسامات  .

توقفوا الآن قليلا أيها المهيمنون على مجلس النواب، وتمعّنوا جيدا في ما تدفعون وطننا الى منزلقه!