ألتقيت بالفنان الراحل كوكب حمزة في معسكر اللجوء في جزيرة (بورن هولم) التابعة لمملكة الدنمارك عام 2002م، وكانت مناسبة زيارته للمعسكر بسبب سماعه بتواجد استاذه في معهد الفنون الجميلة (إحسان أدهم) مع عائلته، فكانت الزيارة وفاءً لهذا الأستاذ، ثم أحيا لنا حفلاً فنياً رائعاً، بصوته العذب وعوده الذي لا يفارقه. كان من ضمن الاحتفالية مشاركة الأستاذ احسان أدهم بمعرض للخط العربي.

وعادت ذاكرتي إلى مطلع نهاية ستينيات القرن الماضي عندما كانت بدايات كوكب الفنية، فكانت  الهواية ومن ثم الاحتراف، وأول لحن لهُ كان عام 1967م للمطربة غادة سالم وأغنية (مر بية). فالهواة بقيَّ أكثرهم على هوايتهم؛ ولكن كوكب جدد الموسيقى العراقية وأضاف لها الفرحة مغموسة بالشجن العراقي. فقدم ألحاناً تحمل ذات الملامح تخالف المألوف في أسلوب البناء الموسيقي والتعبير، وكانت انطلاقته من خلال لحن أغنية (يا نجمة) التي غناها الفنان حسين نعمة، وحققت لهُ شعبية واسعة، ليستمر في رحلته الفنية.

فهو اسم على مسمى؛ كوكب ابن حمزة ابن أحمد، المولود في قضاء القاسم سنة 1943م، اكمل الدراسة الثانوية، وتخرج في

الدورة التربوية، وعمل في التعليم، وانتمى إلى الحزب الشيوعي، وكان نشطاً سياسياً فيه، وهو طالب في معهد الفنون الجميلة، اشترك في حراك طلابي عُرف بأضراب البنزين في ربيع عام 1962. على إثره اعتقل في مديرية الأمن، ثم نقل إلى سجن بغداد المركزي. هناك ألتقى لأول مرة بالشاعر مُظفر النوّاب.

كوكب ذلك الشاب الفنان والملحن الذي نُسبَّ للعمل إلى الإذاعة والتلفزيون في قسم الاشراف على التراث الغنائي. لكن من خلال رحلته الفنية اكتشف كوكب العديد من الأصوات الغنائية خلال مشواره الفني، مما جعل النقاد يطلقون عليه لقب (مكتشف النجوم). وبدأ البحث عن الجديد، على مستوى الشعر والصوت، ومنهم ابو سرحان، وكامل العامري، وكريم العراقي في اغنية (بهيجة)، وعريان السيد خلف في (سور)، فكان كوكب يركض خلف كل جديد.

ولا ننسى اغاني (هوى الناس، ويا طيور الطايرة، ومكاتيب، وبساتين والبنفسج، وأفيش، ومن تمشي) لسعدون جابر، و(وينه يال محبوب) للراحل فؤاد سالم، وقد لحن وغنى لشعراء لهم دور مهم وكبير في كتابة الأغنية العراقية، منها: (محطات) كلمات زهير الدجيلي، و(القنطرة بعيدة) كلمات ذياب كزار أبو سرحان، (شوق

الحمام) غناء فاضل عواد. فنرى هذه التأثيرات التي كانت موجودة في العراق؛ قد قفز كوكب بألحانه من خلال الهجرة والعيش في المغرب ومصر وسوريا، فكانت واضحة في اللحن العراقي. فضلاً عن التراكمات التي ادت إلى هذا التطور أو القفزة لدى كوكب حمزة من خلال الثقافة العامة التي لها الدور الكبير في هذا التطور، والنمط الرومانسي النابع من الروح الذي يمثله كوكب، فصنع منها سيناريو كاملاً للحن.

وارتبطت ألحان كوكب بأسماء العديد من المطربين في العراق والمنطقة العربية، ومنهم المغنية السورية أصالة نصري في بدايتها، والمغني الكويتي عبد الله الرويشد، إلى جانب مائدة نزهت وفاضل عواد، وسعدون جابر، وفؤاد سالم، وستار جبار، وكريم منصور وغيرهم. كما له العديد من الألحان التي وضعت للمسلسلات التلفزيونية والأفلام السينمائية. مع كل هذا النتاج الفني للراحل كوكب، وفي اغلب المقابلات التلفزيونية نجد اجاباته في دخوله عالم التلحين يعبر عنها بكلمة (ورطة). ولطالما وصف كوكب حمزة دخوله عالم التلحين بأنه ورطة، وإن الأمر لم يكن يخطر بباله، لكن زملاءه من المدرسين في المدرسة ألحوا عليه فنزل عند رغبتهم، وابتدأت (ورطة) التلحين بدايات عام 1967م.

وفي احتفالية الذكرى الأربعين لتأسيس الحزب الشيوعي العراقي عام 1974م، شارك كوكب حمزة فرحة الحزب بيوم التأسيس قائداً لفرقة الشبيبة من الشابات والشباب بوجوههم المشرقة وملابسهم الموحدة (بنطلون اسود وقميص ابيض وربطة حمراء)، واصواتهم الصادحة بالأناشيد الوطنية والأممية يقودهم الفنان والصديق الرائع كوكب حمزة ، أنتهى الاحتفال كانت مشاعر الحضور تطفح بالمسرة والحبور، كانت اغلب وجنات الحاضرات تتلألأ بدموع الفرح.

بدأت السلطات الأمنية والحزبية ابان حكم البعث بعد مشاركته بالعيد الأربعين للحزب بمراقبته ومضايقته، وقد نصحه صديقه خالد وليد الأعظمي ابن القيادي في حزب البعث في بغداد (وليد الأعظمي) بضرورة مغادرة العراق حفاظاً على حياته، فساعده في اخرج جواز سفر لهُ، فكانت الهجرة الاضطرارية.

في المهجر عمل كوكب الموسيقى التصويرية لمجموعة أفلام وثائقية وروائية قصيرة مع مخرج دانماركي. ونال الجائزة الذهبية عن موسيقى فيلم «صبرا وشاتيلا» للمخرج قاسم حول. وكذلك فيلم (السلام عليكم) للمخرج نفسه، وأعمال أخرى كثيرة عبر فيها عن توسع أفقه الموسيقي. حتى مغادرته عالمنا هذا نيسان 2024 ليدفن في تراب كوبنهاغن، وهو يحلم بسعادة الوطن والإنسان في إيقاعات رحلته التي انتهت في الغربة.