جمعتنا جريدة "طريق الشعب" حين فتحت ابوابها في منتصف سبعينات القرن العشرين امام الشبيبة الديمقراطية للعمل التطوعي والتدريب المجاني على حرفية العمل الصحفي بكل تفرعاته في اقسام الجريدة ..

كانت هي فتاة صغيرة الحجم والسن في ريعان شبابها الاول، راقتني حيويتها وتفاعلها المحبب مع جميع العاملين، كباراً وصغاراً، في مبنى هيئة التحرير بشارع السعدون بالعاصمة بغداد..

تأتي "بان" بكامل اناقتها الاوروبية وحضورها البهي لتلتقي مع "العم حسان"، وهو الاسم المستخدم يومذاك من قبل الصحفي القدير فقيدنا الغالي عدنان حسين في ادارته لصفحة الاطفال الاسبوعية "مرحباً يا اطفال". وحالما يلتقيان يقومان بمعية اخرين في تهيئة مواد الصفحة للنشر.. وغالباً ما نقرأ فيها قصص وحكايات للاطفال مترجمة من اللغة البلغارية الى اللغة العربية بقلم "بان".

تعرفنا مع بعض، فغدونا بعد فترة زمنية قصيرة اصدقاء نتبادل النكات المضحكة والتعليقات الساخرة والقفشات الشبابية. ذات يوم تمرضت ولم استطع الذهاب الى الجريدة، تفاجئت في اليوم التالي بزيارة من صديقتي المقربة "بان" الى بيتنا. واصبحت منذ ذلك اليوم تحمل لقب اطلقته والدتي عليها "صديقة قسومي"!.. وصار اشتياقي لها يزداد عندما نفترق في كل مرة. وكان وضعي بـ "الويل" كما يقال عندما ذهبت "بان" برحلة سياحية الى بلغاريا، لربما شعرت هي بوحشتي واشتياقي اليها فأرسلت الي بطاقة بريدية من العاصمة صوفيا (توجد صورة مرفقة للوجه الاول والوجه الثاني المتضمن رسالتها) احتفظت بها طيلة ما  يقرب من خمسين عام مضت منذ استلامها. قررت بعد هذه السنوات الطوال ان اطلع "بان" على هذه البطاقة التاريخية حين التقيها مجدداً..  وتم ذلك بالفعل حين التقينا في "بيت الجواهري" اثناء زيارتي الاخيرة الى العراق في نيسان المنصرم، وسط دهشتها ودهشة الاصدقاء المقربين !

لم اكن اعرف عن شاعر العرب الاكبر محمد مهدي الجواهري سوى قصيدته الشهيرة "يا دجلة الخير"، ولكن بعد مرور الايام وتوطد علاقتنا الصداقية الجميلة بيني وبين "بان" عرفت انها حفيدته، وعرفت ايضاً انها ابنة الصحفي المعروف فرات الابن البكر للجواهري العظيم، فاحببت منذ ذلك الزمان كل ما يمت بصلة لتراث الجواهري الشعري بتأثير من "صديقة قسومي".

الدكاتورية الصدامية الصاعدة في اواخر السبعينات القت بضلالها الاليمة على علاقتنا الحبية البريئة من جراء المضايقات والمطاردات الامنية والجو السياسي الخانق، مما اضطرني الى مغادرة البلاد بتاريخ الثاني عشر من آب عام 1980 الى المنفى الدمشقي ومنه الى منافي اخرى حتى التحاقي بفصائل الانصار في ذرى جبال كوردستان العراق شتاء عام 1984.

طيلة ما يقرب من ربع قرن لم التقي بالعزيزة "بان" حتى سقوط النظام البعثي المقيت في التاسع من نيسان عام 2003، وعودتي الى مدينتي الحبيبة بغداد. والتقيتها صدفة في شارع المتنبي وسط مجموعة من اصدقائنا المشتركين، وهذا اللقاء العاصف المشحون بالعواطف والمشاعر يستحق بحد ذاته الكتابة عنه حتى مطلع الفجر...!

 هي اصبحت ام علي متزوجة ولديها ولدان وبنت، وانا اصبحت ابو مريم متزوج ولدي بنتان وحفيدة.. وانتم بخير !