الأزمات التي تعصف بالعراق وشعبه اليوم كثيرة ومتشعبّة ومدمرّة، وإذا أردنا توخّي الدقّة فأنّها ليست مسؤولية سلطة المحاصصة وحدها. فهذه السلطة ورثت الأزمات والخراب الذي نعيشه اليوم من النظام البعثي "المنهار" الذي بدأ من خلال سياساته الكارثية منذ العام 1979 على الأقل، عملية العد التنازلي للأنهيار الكبير الذي نعيشه اليوم، لكنّ لا يجب إغفال تحميلها وزر إستمرار الأزمات وأستنساخ أزمات جديدة مدمرّة هي الأخرى،وهذا أمر ضروري لمراجعة واقع العملية السياسة والأقتصادية والأجتماعية الذي يتسّم بعدم الإستقرار والفساد وتشوه العلاقات الإجتماعية في البلاد، بعد أن كانت إمكانية إصلاح التركة الكارثية للنظام البعثي ممكنة لو تخلّت أحزاب المعارضة السابقة والتي هي على رأس السلطة اليوم، عن عقلية المعارضة في إدارة شؤون البلاد وتحلّت بالروح الوطنية، خصوصا وأنّ ميزانيات البلاد كانت كافية لبناء إنسان ووطن عراقي جديد.

في قلب عاصفة الأزمات التي تمر بها البلاد ويشهدها مجتمعنا، تقف مشاكل الشبيبة العراقية وأنكفائها عن المشاركة في الحياة السياسية بالبلاد في مقدمتها. وهذا الأنكفاء والنأي بالنفس عن لعب الشبيبة دورها الطبيعي كما باقي شبيبة البلدان الأخرى في الحياة السياسية، بحاجة الى دراسات أكاديمية جريئة تأخذ الواقع الرث للمجتمع العراقي في ظل سلطة المحاصصة بجرأة ووضوح وشفافيّة، كون حلّ مشاكل الشبيبة هذه هو المفتاح الذي سيفتح لنا أبواب الحلول لمشاكلنا المستعصية لليوم خصوصا وأن المجتمع العراقي ليس بالمجتمع الهرم. وقد نشرت وكالة شفق نيوز في تقرير لها بتاريخ 29/7/2024 قالت فيه "كشفت إحصائية أجرتها شركة "statista" الألمانية المتخصصة في بيانات السوق والمستهلكين بالعالم، أن فئة الشباب في العراق تشكل أكثر من 60% من عدد نفوس العراقيين. ووفقاً لبيانات الشركة لعام 2024 التي اطلعت عليها وكالة شفق نيوز، فإن الفئة العمرية التي تتراوح بين عمر السنة الواحدة و14 عاماً في العراق تبلغ نسبتهم 35.24%. وأضافت أن فئة الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 15 و64 عاماً نسبتهم 61.17%. وأشارت إلى أن الأعمار التي تبلغ 65 عاماً فما فوق تبلغ نسبتهم 3.59%، مبينة أن معدل الخصوبة لدى المرأة العراقية انخفضت بمقدار 0.1% طفل لكل امرأة". ومن خلال هذه الأحصائية فأنّ المجتمع العراقي مجتمع فتي قادر على النهوض بأعباء الوطن لو توفّرت له الامكانيات المناسبة.

أن الشباب ثروة لا تقدّر بثمن، وعليه فأنّ الحكومة العراقيّة عليها العمل على تغيير الواقع الشبابي في البلاد، عن طريق أيجاد حلول ديموقراطية وتقدميّة بما يمّكنهم من المساهمة في بناء مجتمع متحضر ومتقدم ومتحرر، وهذا لن يحصل الّا بحريّة الرأي والمعتقد والتفكير دون إملاءات طائفيّة/ قوميّة، ولا نظن أنّ حكومة المحاصصة تعمل على توفير هذه الفرصة للشبيبة العراقية كي تنطلق بقوّة في بناء نفسها ووطنها..!؟

أنّ مشاكل الشبيبة اليوم ناجمة بمجملها عن الصعوبات والمصاعب التي تعيشها من خلال أزمة عامة في مناحي الحياة المختلفة، والتي تجرّهم والمجتمع بأكمله الى البحث وبعمق عن أسباب تردّي الجوانب الثقافية والتعليمية والمهنيّة والتي هي جزء من حالة التردي والخراب الذي تعيشه البلاد. فالشبيبة اليوم ونتيجة الفساد الحكومي والمحسوبية وأنعدام المساواة في التعيينات على شحّتها مقارنة بالأعداد التي تتخرج سنويا من جامعات ومعاهد متدنية الجودة أساسا، يتخرّج منها طلاب غير كفوئين علميا ولا ثقافيا ولا فكريا بغالبيتهم، وهؤلاء ينظمون رغم ضعف إمكانيات معظمهم الى جيش العاطلين عن العمل الذي يكبر كل سنة.

أنّ فئة الشباب في المجتمع العراقي ونتيجة لأنعدام ثقتها بالعمليّة السياسية وأحزابها، تشعر بالأحباط وعدم الثقة بالمستقبل والتغيير. وهذا ما تعمل منظومة المحاصصة على تكريسه والتثقيف به من خلال خطاب طائفي/ قومي مؤدلج يعمل على زرع اليأس ما يمكنّه من الأستمرار في السلطة

أنّ مشاركة فاعلة للشباب في الحياة السياسيّة لتغيير نظام المحاصصة بحاجة الى أصلاحات جذريّة من خلال ، أصلاح المؤسسة التعليمية كأساس قوي لأصلاحات أخرى، وتوفير فرص عمل في القطاعين العام والخاص، وتوفير الوعي الذي بدونه تبقى أزمات البلاد تستنسخ نفسها بأستمرار وهذا ما نلاحظه منذ الأحتلال الأمريكي لليوم، وهذه الأصلاحات لن تقوم به سلطة المحاصصة - التي علينا تغييرها بكل السبل السلمية الممكنة - مطلقا، كون هذه الأصلاحات تعني قبر سلطتها الفاسدة. لذا فأن القوى صاحبة المصلحة الحقيقية في التغيير، يقع على عاتقها توحيد صفوفها والتحرّك نحو فئة الشباب لزجّها في معركة أنقاذ الوطن، والأستفادة من تجربة التحرّك الطلابي والشبابي الواعي لبعض فئاتهم في أنتفاضة تشرين.

أنّ نسبة الستين بالمئة من سكان البلاد وهم من قاطعوا الأنتخابات السابقة، قادرين على قلب الطاولة على سلطة المحاصصة لو تحلّوا بالوعي والثقة بقدراتهم وحصّنوا أنفسهم من إعلام المحاصصة الفاسد، وهؤلاء هم الفضاء الذي على القوى المؤمنة بالتغيير أن تتحرك نحوهم لجرّهم الى ساحة النضال من أجل عراق آمن ومزدهر.

زكي رضا

الدنمارك 5/8/2025