المتابع لما بعد التغيير الذي حصل في العراق عام 2003... يجد ان التداعيات والنتائج التي خلفها ذلك التغيير لا يزال قائمة إلى يومنا هذا، مما ارخت حزمة الامال في نفوس المواطنيين وجعلتهم منقسمين وغير واثقين من مستقبلهم المجهول الذي ينتظرهم ومن الماَل الذي يأخذهم إليه سياسيا والقادة منشغلون بمصالحهم ومطامعهم الضيقة ، بلا شك ' لا يمكن اعتبار المجتمع العراقي استثنائيًّا في تعدد طبقاته وأقسامه وفي تنوعه الإثني والطائفي والديني ولا في تحولاته عبر الزمن، فهو في ذلك يشبه الكثير من مجتمعات العالم، لكن تميزه يبدو واضحًا قياسًا بمعظم بلدان المشرق العربي في وحدت مجتمعه على خلاف سياسيه ، والسبب يعود إلى التاريخ والجغرافيا اللتين رسمتا ملامح واضحة للعراق دولة ومجتمعًا، فالعراق هو نتاج تحولات تاريخية كبرى وبالغة الامجاد، وقد جعل موقعه الجغرافي في التخوم الشمالية الشرقية للحوض العربي ساحة استقبال دائمة للهجرات من المحيط الآسيوي.
لقد ظل العراق منذ سقوط الطاغية وازلامه ، يعاني من اضطرابات وأزمات وغياب مستمر لحالة الاستقرار وأحد أهم الأخطاء الكارثية التي حدثت في العراق عام 2003، هو تفكيك مؤسسات الدولة وإضعاف السلطة المركزية مما خلق هذا الاختلال الهيكلي في السلطة حالة لدى المواطن العادي تتمثل في العودة إلى الولاءات القبلية والدينية والعرقية، فعزز المساهمة في تفتيت الدولة وسيادة الخطاب الطائفي والانقسامات والتوترات بين طوائف المجتمع الواحد و ساهمت في خلق حالة من الفوضى نتيجة الممارسة المشوهة للديمقراطية و في تعزيز قبضة الحكام المستبدين في المنطقة والذين كان حكمهم غير كفوء أو ثقيل اليد إذا ما تم النظر اليه ومقارنته بالذي يحصل في العراق من انهيار النظام والجرائم التي ترتكب نتيجة للاقتتال الداخلي و طغت مشاهد التوترات على هذا البلد ذي الحضارة العريقة و مشاهدة المعارك والقصف والمدافع، التي لم تفارق الشعب العراقي لسنوات عديدة و لم تترك ندوبا عميقة في قلوبهم فحسب، بل خلفت أيضا علامات حرب لا تحصى على الجدران المضادة للانفجار. فهذه الصور على الجدران هو نتاج الحرب القاسية التي احدثت من دمار والمشاهد يجد كانه حلت نهاية حضارة بلد صنع أول حضارة في تاريخ البشرية، و مثل هذا التغيير نهاية دولة تمثل قلب الشرق الأوسط ودخولها مرحلة الضياع والانهيار بعد أن كانت هي الدولة الرائدة والقائدة وبناءه القيم وركنه الركين وعصبته المتينة ، ان الطائفية لا تُختزل في كونها ردّة فعل سطحية أو استدعاء ميكانيكيًا لذاكرة ماض مقموع، بل تمثّل تصدّعًا داخليًا في نسيج التجربة المشتركة، وتتحول إلى أحد أنماط إعادة إنتاج الصراع، حين يتداعى العقد السياسي في اي دولة جامعة، ويتقوّض العقد الاجتماعي كأساس للتماسك والعدالة، فتغدو الدولة فراغًا سلطويًا وأمنيًا قابلًا لملئه بالانتماءات ما دون الوطنية