الشارع العراقي مشغول هذه الأيام بقضية مقتل الطبيبة بان زياد، التي تحاول سلطة المحاصصة وقضاؤها غير النزيه والعادل تسويقها كانتحار!! وقضية مقتل بان زياد ليست الأولى ولن تكون الأخيرة، طالما بقيت العصابات هي من تتحكم بواقع بلادنا البائس. كما لا يجب علينا إبعاد القضية عن التمييز ضد المرأة وحقوقها، وهو ما تعمل السلطة العشائرية الدينية على ترسيخه في المجتمع بقوانين بالية لا تمتّ بصلة لحقوق المرأة، ناهيك عن حقوق الإنسان.
إنّ مقتل بان زياد على يد مجرمين على صلة وثيقة برموز السلطة المتورطة في قتلها، وقبلها العديد من النساء في عراق الفوضى الإسلامية، هو استنساخ لقتل عشرات النساء في البلدان الإسلامية الأخرى بمختلف التبريرات، ومنها جرائم الشرف!! وقتل بان زياد هو استمرار لخوف السلطة من المرأة إذا نالت حريتها، وهذا ما دفع عرّابي السلطة في "دولة وليّ الفقيه" التي تتبعها الأحزاب الإسلامية الشيعية في العراق، إلى قتل عشرات النساء الإيرانيات في السجون والمعتقلات ومراكز التوقيف، وآخرهنّ كانت الطالبة الجامعية مهسا أميني التي أصبحت أيقونة لنضال المرأة الإيرانية ضد التخلّف الإسلامي وهمجية مؤسساته الأمنية وعنف ميليشياته.
لقد أنهت مهسا أميني أكثر من أربعة عقود من وصاية الذكور على الإناث في إيران، وأجبرت بموتها في أحد مراكز التوقيف في طهران، السلطات على التراجع عن فرض الحجاب الإجباري على النساء، بعد تظاهرات عارمة ووقفات احتجاجية وإضرابات طلابية شارك فيها مئات الآلاف من طالبي الحريّة من الشعب الإيراني في مختلف المدن الإيرانية. واليوم، يستطيع من يزور طهران وغيرها من المدن، وحتّى ما يُطلق عليها بالمقدّسة، مشاهدة الفتيات والنساء الإيرانيات يتنفسن نسيم الحرية بعد أن خرجن من قبو السلطة المعتم والرطب.
في العراق اليوم، تمارس عصابات السلطة الدينية المتسلّحة بفتاوى رجال الدين وشيوخ العشائر والسلاح المنفلت (وغير المنفلت)، أبشع الجرائم بحقّ شعبنا ووطننا، وتغتال كلّ ما هو جميل في هذا الوطن الخرب، دون أن يرفّ لها جفن. ومن بين من اغتالتهم مؤخرًا، كانت الطبيبة بان زياد.
قضية بان زياد بحاجة إلى تنظيم الجماهير لنفسها من أجل إنهاء كل مظاهر العنف ضد المرأة، وسنّ القوانين التي تحميها، وإلغاء كل القوانين التي تكبّل حريتها وتجعلها إنسانة من الدرجة الثانية. إنّ الموقف الشعبي المتضامن مع الضحية لا يجب أن يتوقف عند التنديد أو التظاهرات الخجولة هنا وهناك في الوطن-المقبرة، ولا عند بيانات التنديد من قبل أحزاب ومنظمات مجتمع مدني أو أكاديميين ومثقفين وفنانين، ولا عند نشاط بعض الأفراد في وسائل التواصل الاجتماعي. بل يجب أن تكون التجربة الإيرانية حاضرة في الوجدان الشعبي، وفي الشوارع والساحات والمدارس والجامعات. لتكن بان زياد أيقونة لتحرير المرأة العراقية، كما أصبحت مهسا أميني أيقونة لتحرير المرأة الإيرانية من بشاعة واضطهاد قوى الإسلام السياسي.
على المرأة العراقية اليوم أن تتقدّم الصفوف، مع أخيها الرجل، في تظاهرات صاخبة تجبر سلطة التخلّف الديني على كشف حقيقة مقتل الطبيبة بان زياد، ومحاكمة قاتل الأستاذة الجامعية سارة العبودة وإنزال القصاص العادل به وفق القوانين العراقية النافذة. إنّ تحويل قضية مقتل بان إلى قضية رأي عام داخلي أو عربي ليس كافيًا، بل يجب أن تتحوّل كما تحوّلت قضية مهسا أميني إلى قضية رأي عام دولي، بمشاركة فاعلة من قبل المنظمات النسوية في العالم. لتتحرك الشخصيات العراقية، وخاصة النسوية، للاتصال بالبرلمانيات في بلدان العالم كافة، ومطالبتهم، بعد تزويدهم بكل الأدلة والصور التي تثبت واقعة الجريمة، بالتضامن مع نساء العراق ضد المجرمين القتلة وصمت السلطة.
حوّلوا بان زياد إلى مهسا أميني... وحينها ستعرفون معنى الحرية.
الدنمارك
19/8/2025