نظرا لطبيعة النظام الحالي الذي تولى الحكم في العراق عقب الغزو الأمريكي، وبالنظر إلى نهجه في التعامل مع القضايا الوطنية، وتوجهات القوى المتنفذة فيه من أحزاب إسلامية وقومية وخليط من المتخلفين والقتلة والفاسدين، فقد بات واضحًا أن تلك القوى تمارس أبشع الأساليب للحفاظ على سلطتها ونفوذها، مستغلة المال العام وإمكانيات الدولة وغيرذلك من المجالات لخدمة مصالحها الخاصة.

لهذا السبب، لم أكن أميل إلى مشاركة حزبنا والقوى الوطنية الحقيقية في الانتخابات البرلمانية، خاصة في الدورتين الأخيرتين، لقناعتي الراسخة بأنها لن تحقق أي مكسب لصالح الشعب أو القوى الوطنية. ويرتبط ذلك بعدة أسباب جوهرية تتعلق بتلك الانتخابات، وتمارسها قوى السلطة بشكل علني ودون أي خجل ، أبرزها:

1. انعدام الأهلية: القوى التي حصلت على امتيازات السلطة منذ البداية كانت غير مؤهلة، ووصولها إلى السلطة تم على ظهر الدبابة الأمريكية بهدف السيطرة على المال والسلطة والنفوذ وليس من أجل بناء الدولة أو لمصلحة الشعب العراقي . 

2. الارتباطات الخارجية: لم تصل أي جهة متنفذة إلى السلطة، دون ولاءات واضحة لدول إقليمية أو أجندات دولية، حتى باتت بعض الأطراف تتفاخر بعلاقتها مثلا بإيران، وهناك انطباع جماهيري عام بأن القرار السياسي في العراق يتبلور في طهران، التي تستخدم فيلق القدس كأدات في هذا الشأن، فضلا عن الجهات الأخرى التي استملت وتستلم الملايين من الدولارات من دول إقليمية أخرى لغرض تنفيذ أجنداتها. 

3.غياب البرامج السياسية: اعتمدت القوى المتنفذة على الخطاب الطائفي والعرقي والفتاوى الدينية بدل البرامج الانتخابية الحقيقية. 

4. المال السياسي: كل القوى المتنفذة سرقت واستخدمت وتستخدم المال العام بطرق علنية لدعم حملات قوائمها في الانتخابات، فضلا عن أساليب مبتكرة في شراء الذمم من خلال التوظيف في مؤسسات الدولة وتوزيع قطع الأراضي السكنية على فئات اجتماعية معينة و الولائم الفاخرة وشراء بطاقات الناخب بأثمان بخسة وأحيانا كثيرة ينخفض سعر الصوت الواحد إلى ما يعادل ثمن وجبة كباب أو لفة شاورما مع علبة بيبسي ، أما سعر المقعد في البرلمان فحدث ولا حرج ، إذ يقفز أحيانا إلى الملايين من الدولارات. 

5. السلاح لترهيب الناخبين: استعانت وتستعين القوى المتنفذة بأذرعها المسلحة للترويج لقوائمها وإجبار الناس على التصويت لصالحها . 

6. التزويرالممنهج: كل القوى المتنفذة مارست أقبح أساليب التزوير عبر شراء الأصوات، وسرقة نتائج القوى الصغيرة والشخصيات المنفردة أو اتلاف أصواتها ، فضلا عن تجنيس أعداد كبيرة من الأجانب لغرض التصويت في الانتخابات لصالح قوائمها .

7. انحياز المفوضية: غياب النزاهة والحياد في كل العمليات الانتخابية، والمفوضية عادة ما يجري تشكيلها على أساس من المحاصصة الطائفية والعرقية والحزبية، ولذلك فإن غالبية أعضاءها يسعون بكل إمكانياتهم من أجل ابتكار أقذر أساليب التزوير لصالح القوى الحاكمة. 

8 . خارجية القرار: حسم نتائج الانتخابات يتم في عواصم أجنبية لا داخل العراق ، وأبرز تلك العواصم هي واشنطن وطهران وعدد من العواصم الإقليمية الأخرى. 

9. تفصيل القوانين: تعديل القانون الانتخابي أو تفصيله يجري وفق مصالح القوى المتنفذة وطبيعة التفاهمات فيما بينها وعدم مراعات أصوات الناخبين وصيانتها، وبالتالي التضيق الشديد أمام حظوظ القوائم الصغيرة والشخصيات المنفردة . 

10. انتهاك قانون الأحزاب: واضح إن القوى المتنفذة في الحكم تعمل بشكل فاضح لاستغلال إمكانيات الدولة وسلاحها ووسائل إعلامها لصالح قوائمها.

وفي سياق كل هذا الانحراف، تأتي ممارسات المفوضية في استبعاد عدد كبير من المرشحين النزيهين، ممّن أثبتوا إخلاصهم وحرصهم على خدمة وطنهم، كخطوة متعمدة لاغتيال الصوت الوطني مبكرًا ومنع مشاركته في صناعة القرار السياسي. وثمة حاجة إلى القول بأن هذه الإجراءات تندرج ضمن سياق عملية انتخابية قادمة غير نزيهة، وإن ما يحصل اليوم، هو تحصيل حاصل لكل أساليب وأدوات التزوير المتراكمة لدى تلك القوى ومفوضية الانتخابات معا، وأعتبرها قضية مدروسة بعناية فائقة، وإنها أي الممارسات الأخيرة إن لم تفاجئ الشارع العراقي الذي يزداد عزوفًا عن الانتخابات، فإنها قد تصدم بعض القوى السياسية التي ترفض قراءة الواقع بوضوح، لتجد نفسها بعد كل دورة انتخابية أمام نتائج مخيبة تؤدي إلى عزلها أكثر فأكثر عن الجماهيرعلاوة على فقدان دورها السياسي المؤثر واستفحال مشاكلها الداخلية .

الخلاصة: لا بديل أمام حزبنا والقوى الوطنية والمدنية سوى النأي بنفسها عن مهزلة الانتخابات التي تشكّل تزكيةً لخصوم الوطن من تلك الأحزاب التي تتحكم بمصائر الناس، وأدعو إلى أهمية الانخراط في صفوف المقاطعين الذين يمثلون الأغلبية العظمى من أبناء العراق. فالانتخابات البرلمانية، بصيغتها الحالية، ما هي إلا أداة بيد الأقلية المتسلطة لإعادة إنتاج نفسها بأسوأ الأساليب.