تعود بنا الذكريات الى ايام جريدة "طريق الشعب" البغدادية والسفرات العائلية في سبعينات القرن الماضي، والى لبنان الشقيق قبل حصار القوات الاسرائيلية الغازية للعاصمة (بيروت) اواسط عام 1982، والى اليمن الديمقراطية سابقاً، بعد وصولي اليها مع المقاتلين الفلسطينيين المبعدين على ظهر البواخر الدولية، من ميناء بيروت عبر البحر الابيض المتوسط والبحر الاحمر الى ميناء (عدن)، في رحلة بحرية استغرقت ستة ايام، سوف اكتب عن تفاصيلها ذات يوم .. ولكن يتوجب علي ان اعبر عن عظيم امتناني لحكومة جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية، التي فتحت ابواب الشطر الجنوبي من اليمن الشقيق، لاستقبال المئات من الصحفيين والكتاب والفنانين الديمقراطيين العراقيين، وتوفير الوظائف المناسبة لهم في المؤسسات التعليمية والثقافية والاعلامية بعد ان شردهم النظام البعثي المقبور، واغلقت الابواب بوجوههم من قيل دول شقيقة وصديقة غير قليلة !
وهكذا ودعت العمل نهائياً في صحيفة "فلسطين الثورة" الصحيفة المركزية لمنظمة التحرير الفلسطينية، لالتحق بالعمل في صحيفة "الثوري" لسان حال الحزب الاشتراكي اليمني الحاكم انذاك في اليمن الديمقراطية . وهناك توطدت علاقتي الرفاقية والمهنية مع استاذي وصديقي العزيز عبد المنعم الاعسم (ابو حارث) زوج العزيزة سمر بدن (ام حارث). ومن خلال هذه العلاقة الودية وزياراتي المتواصلة الى دار سكنهم في شقة تقع ببناية "البكاجي" في منطقة "التواهي" بعدن، تعرفت عن قرب على اهتمامات (ام حارث) ليس فقط بتربية طفليهما "حارث" و"ضفاف"، وانما ايضاً بتطوير قابلياتها الفنية، بالاستفادة من عملها في التلفزيون اليمني. اذ عملت في البدء بوظيفة "ماكير" وتفاعلت بسرعة مع الجو الفني العام، لتصبح بعد دورة مكثفة مساعدة مخرج تلفزيوني، ومن ثم مخرجاً تلفزيونياً لبرامج الشباب. بيد ان الخلافات الحادة داخل قيادة الحزب الاشتراكي اليمني، القت بظلالها الاليمة على عموم المجتمع في جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية، وادت الى اندلاع اقتتتال الاخوة ومن ثم الحرب الاهلية في عام 1986، وهو ما اثر بشكل سلبي على وجود عائلة العزيزة ام حارث وجميع العوائل من ابناء الجاليات العربية والاجنبية. فكان القرار مغادرة اليمن الديمقراطي بحماية دولية عبر البحر باتجاه بلدان اللجوء الجديدة. واستقرت عائلة (ام حارث) بعد معاناة كثيرة في بريطانيا.
هناك في مدينة الضباب شغلت الفنانة سمر بدن نفسها بالعودة الى احلام الطفولة، يوم كانت طفلة برعاية بيت جدها في ارياف العراق، يصنع لها العاباً ومجسماتاً من الطين لتلهو بها. فقررت تطوير قابلياتها الفنية في مجال صنع مثل تلك الالعاب بتقنيات العصر الحديث. وكان لها ما ارادت وسط اعجاب اساتذتها الانكليز، الذين شجعوها على الاستمرار والتطور حتى صار لها من الانتاج ما يستحق اقامة معرضاً له.. وتتابعت المعارض والنشاطات الفنية، واثبتت ام حارث نفسها كفنانة تشكيلية في الوسط اللندني، وهي محاطة بالاعجاب والتقدير الدائمين من قبل المثقفين العراقيين والاجانب.