الحكومة أي حكومة بمفهومها التاريخي كونها الراعية لمصالح الدولة أي دولة ـ العراق مثالا، من مهامها الأساسية كما يفترض ـ الحفاظ ـ على ممتلكات الدولة وصيانة ثرواتها الطبيعية وحماية عقاراتها واراضيبها، كل ذلك يشكل نوعا مهما لبعث التوازن الاقتصادي الوطني وتدويره لتنمية موارد الدولة المالية والبنيوية.

فمن المنظور التاريخي والسياسي، تعتبر الحكومة أيا كان شكلها ـ ونحن لا نحدث هنا عن "الحكومة العميلة" في العصور الوسطى و"الحكومة الشمولية" في القرن العشرين. انما المفاهيم الحديثة لشكل الحكومة (ملكية، جمهورية، ديمقراطية، مركزية)، السلطة التنفيذية والإدارية التي تتولى إدارة شؤون الدولة وحماية مصالحها العامة. ومن بين أهم وظائفها الأساسية فعلا: حماية ممتلكات الدولة: أي صيانة البنى التحتية والممتلكات العامة (كالطرق، والمواني، والمباني الحكومية، والمرافق العامة). إدارة الثروات الطبيعية: مثل النفط، والمياه، والمعادن، والغابات، بما يضمن استدامتها للأجيال القادمة. حماية الأراضي والعقارات العامة: عبر وضع أنظمة وقوانين تمنع التعدي أو الاستغلال غير المشروع لها.

هذه الالتزامات المستوجبة لا تعمل على تحقيق التوازن الاقتصادي الوطني من خلال السياسات المالية، والتنموية، والضريبية فحسب، بل تحفظ الاستقرار وتوزع الموارد بعدالة نسبية. كما تؤدي إلى صون السيادة والأمن القومي لحماية الدولة من أي تهديد داخلي أو خارجي يهدد وجودها أو مصالحها. بعبارة أخرى، الحكومة تاريخيا ليست فقط سلطة تدير شؤون الناس، بل جهة راعية للأرض والثروة والسيادة، وهي المسؤولة عن التوفيق بين المصلحة العامة والنمو الاقتصادي في إطار العدالة الاجتماعية.

فكيف يمكن المحافظة على هذا الدور التاريخي للدولة الحديثة؟ وماذا ينبغي القيام به إذا ما تهاونت بمثل هذه الأمور.. سؤال عميق جدا ويلامس جوهر العلاقة بين الدولة والمجتمع. فحين تهاون الحكومة في أداء واجباتها الأساسية كحماية ممتلكات الدولة أو صون الثروات العامة أو الحفاظ على التوازن الاقتصادي فذلك يعد خلل بنيوي في وظيفة الدولة نفسها، لأن هذه المهام هي أساس شرعيتها وسبب وجودها. وفي هذه الحالة، هناك عدة مستويات من التصحيح أو المواجهة يمكن أن تحدث، بحسب طبيعة النظام السياسي ومستوى الوعي الشعبي.

في الأنظمة الديمقراطية أو التي تمتلك فصل حقيقي بين السلطات، يمكن للبرلمان أو القضاء أو هيئات الرقابة محاسبة الحكومة على التقصير أو الفساد. هذه الآليات تضمن أن الحكومة ليست فوق القانون، وأن الدولة تصحح نفسها من الداخل. وفي حال غياب الرقابة الفعالة، يصبح دور المجتمع المدني، والإعلام، والرأي العام حاسما في كشف التقصير والضغط للإصلاح. التاريخ يظهر أن الشعوب التي تطالب بحقوقها بوعي وسلمية هي التي ترغم الحكومات على تصحيح المسار. وفي حالات اضطرارية لأسباب تشكل خطرا على الدولة ومصالح مجتمعاتها تكون المراجعة الدستورية أو السياسية أمرا من شأنه إعادة هيكلة الحكومة أو إجراء إصلاحات دستورية أو سياسية لإعادة توزيع الصلاحيات وضمان حماية الثروات العامة. يحدث ذلك عادة، في مراحل التحول الكبرى أو بعد أزمات سياسية واقتصادية حادة تصبح فيه المساءلة التاريخية والأخلاقية ضرورة. فإن لم تحدث محاسبة فورية، فإن التاريخ لا يسامح؛ فالحكومات التي تهدر ثروات أو تفرط بأراضيها تسجل كأمثلة على الفشل أو الخيانة الوطنية. من جهة أخرى، الشعوب الواعية تحفظ ذاكرتها وتتعلم من هذه التجارب.

باختصار، تهاون الحكومة في حماية الدولة وثرواتها ليس مجرد خطأ إداري، بل هو إخلال بالعقد الاجتماعي بين الحاكم والمحكوم. وإذا غابت آليات التصحيح الرسمية، فإن الوعي الشعبي والمؤسسي يصبح خط الدفاع الأخير عن المصلحة الوطنية وإجبار الحكومة لأن تخضع للقانون...