هل اخذت الحكومة هذا في الاعتبار؟ / عدنان حسين                   

في مقابل الانتفاضة الشعبية المتواصلة للاسبوع الرابع على التوالي، نظّمت الحكومة ما يشبه الهبّة لتلبية بعض مطالب هذه الحركة. هذه التلبية تتركز على إطلاق تخصيصات مالية لمشاريع معطّلة أو مؤجلة ظلّت مُحتجزة مدة طويلة .

تعطيل هذه المشاريع أو تأجليها تعود أسبابهما في الغالب إلى الفساد الإداري والمالي الذي استنزف تخصصيصاتها المالية، ولم يترك شيئاً للأعمال اللازمة لانجازها. أكثر هذه المشاريع، وعددها بالمئات وموزعة على كلّ المحافظات، طارت تخصيصاتها بعد حفر أساساتها مباشرة أو حتى بمجرد وضع الحجر الأساس لها.

ليس من الواضح الآن ما إذا كانت الهبّة الحكومية ستُحيي رميم العظام لكل هذه المشاريع أم ستقتصر على البعض منها ذرّاً للرماد في العيون وعبوراً للمأزق الذي تواجهه الحكومة، وسائر مؤسسات الدولة، راهناً تحت وطأة الانتفاضة الشعبية.

الشئ المهم ليس فقط إطلاق التخصيصات لبعض هذه المشاريع أو كلها الآن أو لاحقاً، بل أيضاً مراقبة مصير هذه الاطلاقات، فما من شئ يضمن أن كل دينار تطلقه الحكومة ووزاراتها سيُنفق على مشروعه ويصل إلى هدفه. هذا الشك يركن إلى واقع أن الفاسدين الذين ابتكروا كل هذا الخراب الذي ينتفض العراقيون في سبيل وضع حدّ نهائي له، مازالوا في أماكنهم، لم يبرحوها أبداً.. ينتشرون في دواوين المحافظات ومجالس المحافظات والدوائر البلدية والصحية والتعليمية والزراعية والصناعية وسواها، وفي المديريات العامة والوزارات. نعم ثمة جيش جرّار من هؤلاء لم يزل في مواقعه التي تمكّنه من نهب نسبة معتبرة من الاموال المُطلق سراحها للتوّ، مثلما فعل ذلك من قبل فتسبّب في تعطيل هذه المشاريع أو تأجيل تنفيذها.

مثلما شكّلت رئاسة الوزراء اللجان للنظر في حاجات المحافظات في ضوء مطالب الجموع المنتفضة، يتعيّن عليها وعلى الهيئات الرقابية وضع نظام مراقبة فعاّل يضمن عدم تسرّب هذه الأموال أو نسبة منها إلى جيوب الفاسدين. الفاسدون أكثر حيلة ومُكراً من الشيطان. لديهم كلّ القدرة على ارتكاب الجريمة، السرقة وسواها، وإخفاء معالمها ومواجهة أي مسعى للتحرّي والتحقيق والمساءلة، بل هم قادرون كذلك على اثبات أنهم ملائكة ليلقوا المسؤولية عن الفساد على عاتق الموظفين الصغار، الابرياء في الغالب.

بالطبع الاجراء السليم هو عزل الفاسدين عن المواقع التي يتلونها في الدولة، لكن لا يبدو أن هناك إرادة حقيقية وعزماً أكيداً للاقدام على خطوة من هذا النوع، فلا أقل من ضمان ألا إنقاذ الأموال المُطلقة الآن من الخطر الذي يحيق بها من الفاسدين المتربصين لها.