شناشيل / أينهم .. المندسّون؟ / عدنان حسين             

اليوم يكون قد انقضت على انطلاق الحركة الاحتجاجية الحالية أربعة أسابيع بالتمام والكمال. منذ البداية رفع رئيس الوزراء القائد العام للقوات المسلحة حيدر العبادي صوته عالياً بأن "مندسّين" قد اخترقوا المظاهرات، ومثله ردّد كالببغاء، بلهجة يقينية عدد غير قليل من أفراد حاشيته من المساعدين والمستشارين ومن قياديي ائتلاف النصر وقادة أحزاب وميليشيات واعضاء في حاشياتهم، فضلاً عن قيادات أمنية اتحادية ومحلية ومحافظين ورؤساء وأعضاء مجالس محافظات ممّن استشعروا الخطر.

حفلة الاندساس تلك لم تضع أوزارها، فقط تراجعت. مع ذلك فان حكومة السيد العبادي والقوى الأمنية التي يقودها وجهاز الدولة العرمرم لم تنجح جميعها حتى اليوم في العثور على "مندسّ" واحد ليقدّموه الى القضاء كيما يجعلوا منه عبرة، فلا يعود أحد يندسّ في المظاهرات اللاحقة التي لابدّ أن يتكرّر تفجّرها إنْ لم تعمل القوى المتنفّذة على تحقيق مطالب الحركة الاحتجاجية، بوصفها مطالب مُحقة  ومُستَحقّة ودستورية كما جاء مرات عدة على ألسنة المتحدثين عن الاندساس والمندسين أنفسهم.

لم يكن حديث الاندساس جديداً. هو يُعيد انتاج نفسه منذ 2010 حتى اليوم مع كل موجة من الاحتجاجات الشعبية على استشراء الفساد الإداري والمالي وانهيار نظام الخدمات وانحدار الممارسة السياسية. كان "المندسّون" يوصفون في السابق بالبعثيين والقاعديين، وإذ لم يعد بالامكان العودة الى الاسطوانة القديمة صار إسم المتظاهرين، أو بعضهم، الآن مندسّين!.. لم تدرك العقول الصغيرة لكل هؤلاء الذين حملوا راية الاندساس، أنهم بهذا انّما يشتمون أنفسهم ويُدينون ذواتهم، فالمفترض أن المندسين عدد ضئيل من الافراد الذين يتسلّلون خلسة الى الجموع المحتجّة ليخربوا الحركة الاحتجاجية بتوجيهها وجهة أو وجهات مختلفة عن وجهتها الأساس.  وإذ تعجز دولة بجيشها وشرطتها وقواتها وأجهزتها الأمنية عن الكشف عن المندسّين وتعطيل فعالية تأثيرهم، إنما هو أمر يدلّ على فشل هذه الدولة وأجهزتها في واحدة من أهم واجباتها.

المندسّون لم يكن لهم وجود في الواقع الا في هذه العقول الصغيرة، بل هي صناعة مفبركة عن قصد لتشويه سمعة الحركة الاحتجاجية والقائمين عليها، ولتبرير التعامل مع المحتجّين بقسوة مفرطة على النحو الذي حصل بالفعل مع الحركة  الحالية حيث قتلت القوات الامنية وعناصر الميليشيات 14 شخصاً وأصابت بجروح مئات آخرين، فالسلاح الذي انطلق منه الرصاص الحي والغازات الخانقة كان في أيدي القوات الأمنية وعناصر الميليشيات حصراً.

في الحقيقة كان هناك مندسّون، لكنّهم من القوات الأمنية ومن الميليشيات، وهذا ما يفسّر عدم اعتقال أي "مندسّ" حتى الآن وتقديمه الى القضاء وعدم تحقيق  أجهزة الدولة، وبخاصة جهاز الإدّعاء العام، بقضايا قتل الأربعة عشر محتجّاً وجرح المئات.

أين اختفى المندسّون؟

سؤال  ملحّ حقاً، موجّه إلى رئيس الوزراء القاد العام للقوات المسلحة وسائر أفراد الرهط  المنخرط في حفلة المندسّين.

 لن يجيبوا عليه بالتأكيد لأنهم أنفسهم لا يعرفون مندسّاً واحداً، ويعرفون أنها كذبتهم..!