
شناشيل - حبّة زيني وقبّة "الفضيلة"! / عدنان حسين
هذه تجربة جيدة لبرلماني جديد، وإنْ كان أكبر أقرانه سنّاً ما رسّمه رئيساً مؤقتاً لهم. بهذه التجربة سيُدرك أنه إنّما قد انزلق إلى عمق غابة، الأقل من كائناتها أليف والأغلبية ليست كذلك، فهي طائفية، والطائفية نوع ضارٍ من التوحّش.
في أول جلسة مكتملة لمجلس النواب الجديد، بعد انتخاب رئيسه وقبل أن يغادر منصّة الرئاسة، اجتهد النائب المدني، الأكاديمي د. محمد علي زيني، في أن يوصل الى المجلس مع بدء أعماله وإلى الدولة كلّها، رسالة تتعلّق بحال الشعب العراقي البائسة وبحال عاصمة الدولة، بغداد، الغارقة في محيط من الإهمال وبحر من الأزبال والنفايات .. هذا النائب الجليل شاء أن يُسهب في عرض حال الشعب العراقي المظلوم والمُهان ومهدور الحقوق والكرامة، وفي الثنايا أشار سريعاً الى حال مدينة بغداد، سعياً منه لاستثارة غيرة أعضاء البرلمان على شعبهم الذي انتخبهم وعلى عاصمتهم ومقر عملهم، وفي الثنايا أشار الى العصر الذهبي لبغداد ولأهم دولة عربية إسلامية، الدولة العباسية. الاشارة الى بغداد كانت في حدود انها عاصمة الرشيد والمأمون اللذين بلغت في عهدهما ذروة رقيّها الحضاري، لكنها تستحيل اليوم مدينة لا تصلح للحياة البشرية بتقدير تقارير لمؤسسات دولية رصينة.
كلمة قيلت بوطنية خالصة وببراءة تامة لغاية نبيلة .. كان يمكن أن تمرّ هذه الاشارة إلى الحقيقة التاريخية بأن بغداد هي مدينة هارون الرشيد والمأمون مرور الكرام، كما يقال، فلا يترتّب عليها شئ، بيد أن أحد النواب، هو عمار طعمة، شاء أن يجعل من هذه الحبّة قبّة، مُعترضاً ومُحتجّاً على ذكر الخليفتين الرشيد والمأمون.
لا في الدستور الذي مكّن السيد طعمة من الوصول إلى قبّة البرلمان ولا في النظام الداخلي لمجلس النواب يوجد نصّ يحرّم مباشرة أو مداورة ذكر أسماء الخلفاء العباسيين أو سواهم، أو حتى صدام حسين الذي كثيراً ما تردّد إسمه تحت هذه القبة من دون اعتراض أو احتجاج من أحد، وعليه فإن النائب زيني لم يرتكب مخالفة بذكره إسمي هارون الرشيد والمأمون.
ليس غير قصر النظر وقلة التفكير والتدبير هو ما جعل اشارة النائب زيني العابرة تنطلق تفاعلاتها من داخل مبنى البرلمان الى خارجه، بل إلى أربع جهات الارض، عبر فضاء التواصل الاجتماعي الذي تردّد فيه إسم بغداد هارون الرشيد والمأمون آلاف المرات بدلاً من المرة الوحيدة الواردة في كلمة زيني.
النائب عن حزب الفضيلة الإسلامي عمار طعمة لم يُثره أن الشعب العراقي لم يزل في عهد النظام الحالي المتنفّذة فيه أحزاب الإسلام السياسي، والفضيلة أحدها، مظلوماً ومحروماً ومُهاناً ومُنتهك الحقوق والكرامة، ولم يستفزّه واقع أن بغداد صارت واحدة من أقذر عواصم العالم ومن أقلها صلاحاً للحياة البشرية، فهو أزبد وأرعد فقط لذكر إسمي هارون الرشيد والمأمون المتّهمين بقتل عدداً من أئمة أهل البيت.
حسناً، الإمام علي بن أبي طالب، سيد أهل البيت، طُعِن غيلةً وغدراً بسيف مسموم في الكوفة ومات فيها.. هل يتعيّن أن تُمحى الكوفة من الوجود لأنها كانت المكان الذي اغتيل فيه الإمام علي؟.. وهل يتوجّب ضرب كربلاء بقنبلة نووية، أو بصاروخين إيرانيين بعيدي المدى شبيهين بالصاروخين اللذين ضربا مدينة كويسنجق الكردية أخيراً، لأن على أرضها قُتل الإمام الحسين وآل بيته في واقعة الطفّ الرهيبة؟.. أو، أقله، هل يلزم أن يُرفع إسما الكوفة وكربلاء من الكتب المدرسية لينتهي ذكرهما إلى الأبد، أو أن يُلعنا صبح مساء عقاباً لهما عن الجريمتين الواقعتين على أرضهما منذ 14 قرناً؟!