بعد الهجمة الشرسة على حزبنا في 1978، اضطررت الى مغادرة مقاعد الدراسة في جامعة البصرة قسم الإدارة والاقتصاد.
بدأت رحلة الاغتراب الى بلغاريا ثم الى عدن حيث اكملت دراستي في قسم الاقتصاد.
عام 1982 استجبت لدعوة الحزب للالتحاق بحركة الأنصار لحزبنا، وكانت الخطة هي التوجه الى القامشلي حيث مكثنا عدة أسابيع للتهيئة والتحضير والتطبع على ظروف جديدة وليست طبيعية.
تحركنا في نهاية تموز 1982 كمفرزة للرفيقات بمعية رفاق مفرزة الطريق، كانت مسيرتنا طويلة استمرت لأكثر من شهر تخللها الكثير من المخاطر والمتاعب، ولكن روح الرفقة النضالية المشتركة للمساهمة في مقارعة نظام صدام حسين الدكتاتوري وأعوانه، قد خففت من آلامنا ومتاعبنا.
من المواقف الطريفة، حيث كنت أكثر من باقي الرفيقات في استهلاك الأحذية وكلما نصل الى مكان يشترون لي زوج احذية آخر.
في السير والانتظار في الطريق كان للرفيقات روح الابتكار للتكيف مع الظروف الاستثنائية وخاصة أن للرفيقات وضعهن الخاص في احتياجاتهن الخاصة ولذلك كانت كل رفيقة هي سند وعون للرفيقة الأخرى.
في سيرنا بالأراضي الآمنة كنا نغني ونهتف للوطن وأحيانا نغني لفيروز وعبد الحليم، انها روح الشباب المفعمة بالحيوية والثورية.
حين وصلنا لقاطع بهدينان، لم تسعني فرحتي في وصولي لأرض الوطن وحينها قبلت تراب الوطن بعد أن عبرنا الخابور.
بعد أسبوع تحركنا في مفرزة كبيرة للالتحاق بالرفاق في بشتاشان وأيضا كانت رحلة طويلة ولكننا وصلنا بوقت أقصر.
استقبلنا الرفاق من أعضاء المكتب السياسي واللجنة المركزية واجتمعوا معنا لتوضيح الوضع في داخل العراق وما هي الظروف التي تسمح بتوجه الحزب لإعادة التنظيمات الحزبية في داخل العراق، حيث ان النضال السلمي يجب أن يكون الى جانب النضال المسلح في كردستان.
من تلك اللحظة فكرت بالعودة الى داخل العراق، حيث تتوفر لدي مستلزمات البقاء في بغداد وبشكل متخف وبحسب المعلومات التي تلقيناها كل واحد يتكفل بضمان السكن الآمن لنفسه، لذا رفعت رسالة في هذا الشأن، وبعد أن تمت الموافقة كان ذلك في اكتوبر 1982 .
مارست الأعمال اليومية والنوعية لحين اتمام السفر. دخلت في دورات تدريبية تخص العمل في داخل المقر وبالإضافة الى الأعمال اليومية الأخرى، بمساعدة الطبابة والاتصالات الداخلية الخاصة.
في المقر كان هناك الكثير من الأعمال التي تنتظرنا ليس فقط الحاجيات اليومية وانما التهيئة للاحتفالات بعيد المرأة وعيد نوروز وتحرير المجلات الحائطية وكذلك تحرير الأخبار اليومية لتتم قراءتها على الرفاق وقت الغداء.
تحركنا الى باليسان واستقريت هناك وقد تم استغلال حلول عطلة اعياد الميلاد ونزلت مع أحد العوائل الى داخل المدينة ومن ثم سافرت الى بغداد وحينها توجهت الى بيت اختي واستقبلوني وكانوا فرحين لقدومي، وبنفس الوقت كانت اختي وزوجها يعملون في تنظيم بغداد، ولذلك كانت لديهم الحاجة لإعادة الصلة وطلبوا مني الرجوع الى كردستان.
سافرت من بغداد الى داخل أحد المدن الكردستانية ومن ثم توجهت الى العائلة التي ساعدتني، ولكن كانت ظروف العائلة صعبة جدا ولم يتمكنوا من مساعدتي لذا اعتمدت على نفسي بذلك ويجب علي أن انفذ هذه المهمة الحزبية وسافرت في الباص الى المناطق المعزولة، لكن بسبب الظروف السياسية والامنية في المنطقة يتم توقف الباصات في الساعة الرابعة عصرا.

موقف شجاع

صادفني فلاح في الباص وحينها نزلت بنفس المنطقة وقال لي تعالي معي.
كان الفلاح يسكن في كوخ واستقبلوني هو وزوجته مع أطفالهم وضيفوني ولكن كيف قضيت المساء والليل وانتظر شروق الشمس، كنت بين الشك واليقين بانني في أمان وشغلت نفسي باللعب مع الأطفال، وعند الصباح واصلنا المسير في سيارة حتى حدود المناطق المعزولة.
ومن ثم واصلت المسير وحدي في الثلوج لعدة كيلومترات، في الطريق المؤدية الى القرية التي أود الوصول اليها،
حتى التقيت بالرفيق أبو ماهر ولضمان الامان اضطررت للبقاء متخفية في داخل المقر حتى اليوم الثاني
منذ عام 1983 حتى هذا اليوم لايمكنني أن أنسى هذا الموقف الشجاع من هذا الفلاح والمساعدة التي قدمها لي بكل روح الوطنية الحقة، حيث أنه لايعرفني وكيف هو أتمن لي وساعدني للوصول بامان الى المكان الذي أريده.