احتفى الحزب الشيوعي العراقي مساء الخميس الماضي (21 نيسان 2022)، وفي اطار إحيائه الذكرى الـ 88 لتأسيسه، بالمناضلة الرائدة سافرة جميل حافظ.
وقد اقيمت جلسة الاحتفال على قاعة جمعية الثقافة للجميع في الكرادة - داخل، وحضرها حشد من رفيقات المحتفى بها ورفاقها ومحبيها ومقدري مسيرتها الكفاحية الطويلة والحافلة. وكان في المقدمة الرفيق رائد فهمي سكرتير اللجنة المركزية للحزب، والرفيق حميد مجيد موسى السكرتير السابق، وعدد من قياديي الحزب.
واستمع الحضور بعد افتتاح الجلسة الى كلمة الحزب التي ألقاها الرفيق مفيد الجزائري، واستعرض فيها مسيرة سافرة جميل حافظ، المناضلة الشيوعية والمثقفة اللامعة والشخصية البارزة في الحركة النسائية العراقية. واشار الى رفقة حياتها ونضالها مع القائد الشيوعي الشهيد محمد حسين ابو العيس، والى بقائها متمسكة بحزبها الشيوعي، وبمثله وقيمه، ورافعة منذ بداياتها قبل سبعين عاما، رايته الخفاقة في سماء بلاد الرافدين، راية الوطن الحر والشعب السعيد. (نص الكلمة أدناه).
وألقت الرفيقة شميران مروكل بعد ذلك كلمة أضاءت فيها جوانب هامة من مسيرة المحتفى بها، باعتبارها شخصية وطنية ديمقراطية عميقة في انسانيتها، واكدت انها رغم بلوغها التسعين من العمر "ما زالت تعيش في عشريناتها، وانها ما فارقتنا يوما، لم تفارق الحركة النسوية ولا الحركة الطلابية والشبابية، وبقي الشباب والطلبة دائما في فكر سافرة جميل حافظ".
ثم جاء دور رئيس اتحاد الادباء والكتاب في العراق الاستاذ ناجح المعموري، الذي ارتجل هو ايضا كلمة، تناول فيها العديد من المحطات الهامة في حياة ونضال المحتفى بها، واشار الى انها شاركت في وثبة كانون عام 1948 وقادت تظاهرة المدرسة الامريكية للبنات في الكرادة يوم 5 كانون الثاني، واستطاعت ان تستقطب بجرأتها وشجاعتها طالبات المدرسة بالكامل، وتقدمت التظاهرة مؤكدة بذلك ان القائد لا يكتفي بالمشاركة في المظاهرة او الاجتماع، وانما يتقدم للتعبير عن التطلعات والمطالب للجموع المتظاهرة او المحتجة.
بعدها ألقت الشاعرة خديجة الحمامي قصيدة تحية للمحتفى بها، فيما عبرت الرفيقة سافرة في الحفل عن تمسكها بما نذرت نفسها له من وفاء للحزب وللشعب والانسان والمثل الانسانية الرفيعة.
وفي الختام قدم الرفيق رائد فهمي لوحا تذكاريا الى الرفيقة سافرة جميل حافظ، هدية من الحزب، فيما انهالت عليها باقات الورد من الحضور الآخرين.
سافرة جميل حافظ رمز ملهم بمعانيه وأمثلته *
عندما نحتفي بالحزب فاننا نحتفي بهم ، وحين نحتفي بهم فاننا نحتفي بالحزب.
أولاء هم الشيوعيون، رفيقاتٍ ورفاقاً، البارّون بحزبهم والاوفياء لقضيته ورسالته، والمتفانون في خدمة شعبهم ووطنهم، وفي الدفاع عنهما والكفاح بدأب ودون تعب في سبيل حقوقهما وحرياتهما، ومن اجل مطالبهما المشروعة.
الشيوعيون الذين وهب كثيرون كثيرون منهم ارواحهم للناس والبلد، ولحزبهم ايضا، وتساموا شهداء أماجد .. والذين تجرع كثيرون كثيرون غيرهم شجعانا صامدين، مرارات وعذابات السجون والمعتقلات والمنافي، او عانوا ما عانوا من الملاحقة والترويع الدائمين في ظروف النضال السري الاضطراري، او رفعوا السلاح مقاتلين بواسل يتحدون الموت من اجل اسقاط الطغاة والطغيان، او تحملوا اعباء وقساوات الحياة في ظل انظمة الظلم والبطش بصبر أيّوبي ولم يركعوا، بل واصلوا الكفاح الصعب بشتى الاشكال الجمعية والفردية، المجربة والمبتكرة.
في صفوف هؤلاء واولئك، وفي خضم الصراع غير المنقطع من اجل الحياة الحرة الكريمة، والديمقراطية، والعدالة الاجتماعية، في سبيل وطن حر وشعب سعيد، كنا .. وبقينا .. ونبقى نطالع الوجود المؤنس والمحفز لرفيقتنا التي نحتفى بها اليوم، العزيزة سافرة جميل حافظ.
بين مطالع ثلاثينات القرن الماضي حين فتحت عينيها على الدنيا، وبدايات عقدنا الحالي، تمتد المسيرة الحافلة لرفيقتنا العزيزة. تسعون سنة .. منها سبعون تقريبا انغمرت خلالها في العمل السياسي والاجتماعي والثقافي وفي النضال الوطني.
والظاهر ان هذا كان مقدرا لها بحكم طبيعة الاجواء التي ولدت فيها ونشأت. ففي ذلك الزمن كانت المعارك السياسية والاجتماعية محتدمة على جبهات عدة، ليس آخرها جبهة السفور والحجاب، التي انخرطت فيها شخصيات ثقافية واجتماعية وسياسية مرموقة. لهذا كما يبدو فما ان ابصرت رفيقتنا النور، حتى منحها اهلها المصطفون في الجانب التقدمي من المعركة، اسما متحديا: سافرة!
في كنف هذه العائلة المتنورة المتطلعة الى قيم التمدن والتقدم، نمت سافرة وكبرت الى جانب شقيقتها حياة، التي احتلت في ما بعد موقعا مرموقا بين رائدات الفن التشكيلي في العراق، وشقيقها منذر الموسيقي المعروف وأحد من يرتبط تأسيس الفرقة السمفونية العراقية بأسمائهم، والبقية النابهين مثلهم.
وحين بلغت العشرين من العمر، في مطلع خمسينات القرن الماضي، كانت سافرة طالبة في كلية الآداب، منشغلة بالدراسة .. وأيضا بأمور اخرى غير الدراسة.
ففي مجلة الكلية مثلا كتبت مقالا تدافع فيه عن حقوق المرأة، وفاء منها ربما لأهلها الذين سموها سافرة. لكن ادارة الكلية سرعان ما ردت عليها وبقسوة: حرمان من الدراسة مدة شهر.
وحين انفجرت انتفاضة تشرين 1952 ضد الحكم الملكي الرجعي، انضمت سافرة الى جموع المتظاهرين هاتفة معهم ورافعة الشعارات الوطنية. وفي هذه المرة كانت شرطة القمع لها بالمرصاد، وكان عقابها الاعتقال والتوقيف.
وما ان اطلق سراحها حتى شاركت في لقاء مع فتيات ونساء اخريات، تبين لها لاحقا ان الجهة الداعية اليه هي رابطة الدفاع عن حقوق المرأة، التي كانت قد تأسست قبيل ذلك، في السنة نفسها، وباشرت العمل سرا بعد رفض السلطات الطلب الذي تقدمت به لمنحها اجازة العمل.
في سنة 1954 تخرجت سافرة من كلية الآداب، وقبل تلك السنة وبعدها وبتأثير قراءاتها الكثيرة المختلفة، أخذت تنغمر ايضا في النشاط الاعلامي والادبي، وتكتب الخواطر والمقالات آنا والقصص آنا آخر. وفي سنة 1956 اصدرت مجموعتها القصصية الاولى "دمى واطفال".
وخلال ذلك كرست ريادتها كأول كاتبة قصص عراقية، وكروائية ايضا في ما بعد. وبموازاة هذا أولت اهتماما كبيرا لنشر الثقافة وأشاعة الوعي، وجسدت ذلك في نشاطها الثقافي متنوع الاشكال، بدءا باقامتها قبل عقود قاعة حافظ الدروبي للفنون التشكيلية قرب بيتها في الكرادة، وانتهاء بافتتاحها في السنوات الاخيرة مكتبة شمس الامومة، في قسم من بيتها ذاته.
وبالعودة الى اواسط الخمسينات، نشير الى ان سافرة وجدت في تلك الفترة ايضا، طريقها الى الحزب الشيوعي العراقي. وجاء انضمامها الى الحزب تتويجا لاول مراحل المسيرة، التي كانت قد بدأتها في كلية الآداب اوائل الخمسينات.
الرفيقات والرفاق
الاحبة جميعا
هكذا، من ذلك البيت البغدادي المتنور أينعت زهرة الكفاح والثقافة والقيم الرفيعة. بدأت المسيرةٌ التي ما زالت مكللة بغار المجد تحت راية الحزب الشيوعي العراقي .. مسيرةْ سافرة جميل حافظ، المناضلة الشيوعية والمثقفة اللامعة والشخصية البارزة في الحركة النسائية العراقية.
وما اكثر الصفحات الناصعة في هذه المسيرة، التي كانت رفقة الحياة والنضال مع القائد الشيوعي الشهيد محمد حسين ابو العيس، علامتها المميزة المضيئة. واليوم وإذ نحتفي نحن الشيوعيين، في مناسبة الذكرى الثامنة والثمانين لتأسيس حزبنا، برفيقتنا الباسلة وبمسيرتها المنيرة، فاننا نستذكر من بين صفحاتها المجيدة، معاناتَها في السجون، ومواجهتَها الجلادين، وأيامَها المفعمة بالمآثر.
عبر عقود مديدة من زمن مليء بالاحداث الجسام، ظلت سافرة جميل حافظ متمسكة بحزبها الشيوعي، وفيةَ للمثل التي ضحى في سبيلها رفيقُ دربها أبو العيس.
اننا إذ نحتفي اليوم برفيقتنا العزيزة، انما نحتفي بذلك الارث الغنيّ المتواصل، إرثِ الكفاح الموشّى بأملٍ، ظلت هذه الشيوعية اللامعة ترفع، مع رفيقات ورفاق دربها، رايته الخفاقة في سماء بلاد الرافدين .. إرثِ الكفاح من اجل الوطن الحر والشعب السعيد.
لقد غدت سافرة جميل حافظ رمزا، تستلهم معانيه وامثلته الاجيالُ الشابة من الشيوعيات والشيوعيين.
كلُ الاعتزاز بك رفيقتنا الغالية، وكلُ المحبة لك ..
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* كلمة الحزب الشيوعي العراقي القاها الرفيق مفيد الجزائري في حفل التكريم