لا يزال شعبنا يتطلع الى بديل ديمقراطي حقيقي
اليوم التاسع من نيسان انهارت فيه أعتى دكتاتورية عرفتها بلادنا. وبسقوطها انتهت حقبة كريهة في تاريخ وطننا المعاصر. رحل النظام الذي مثل مصالح البيروقراطيين والطفيليين والقوى المرتبطة بهما، واعتمد أساليب فاشية واتسم بمصادرة حقوق الانسان وقيم الديمقراطية، واقدم على ارتكاب مجازر وحملات إبادة واستخدام السلاح الكيمياوي، ولجأ لتثبيت اركان حكمه الخاوي الى التعذيب والقتل الجماعي، وكذلك نفذ الاعدامات والاغتيالات وغيرهما على نطاق واسع. ومن جانب اخر قام بتدمير اقتصاد البلاد وتبديد ثرواتها وعسكرة المجتمع، وتسبب في اشعال ثلاث حروب وسقوط ملايين الضحايا وجلب للشعب العقوبات والحصار الاقتصادي الظالم. وكان النظام المنهار ظالما في كل شيء الا ان جرائمه طالت أبناء شعبنا على اختلاف قومياتهم وطوائفهم وأديانهم.
لقد أسهمت سياسة النظام المقبور وعنجهيته بنصيب أساسي في تمهيد الظروف لاندلاع الحرب التي رفضناها طريقا للتغيير ورفعنا شعارنا الوطني المسؤول "لا للدكتاتورية .. لا للحرب".
وجدير بالتذكير بان الشعب لم يستقبل القوات الغازية التي اجتاحت بلدنا بالورود، ولكنه أيضا لم يدافع عن الدكتاتورية، بل واستقبل سقوطها بفرح غامر. لكن الحرب، جاءت أيضا بالاحتلال وانعدام الاستقرار والانفلات الأمني والنهب وانهيار مؤسسات الدولة.
لقد انهارت الدكتاتورية البغيضة، لكن شعبنا لم يتمكن بعد من إقامة بديله الديمقراطي الحقيقي.
ان الازمة البنيوية الراهنة التي يعاني شعبنا ووطننا من تداعياتها على الصعد المختلفة، ليست بمعزل عن طريقة التغيير عبر الحرب والاحتلال، ولا عن تركة النظام المقبور الثقيلة، وطبيعة نظام الحكم ونهجه الذي اعتمد منذ نيسان ٢٠٠٣، منهج المحاصصة الطائفية – الاثنية في الإدارة، وفي بناء مؤسسات الدولة المدنية والعسكرية، والابتعاد عن مبدأ المواطنة العراقية الجامعة. كما ان هذه الازمة المركبة ليست بمعزل عن مسعى لتأطير المجتمع وتسييس الدين وتوظيفه، وتفاعل العديد من العوامل الداخلية والخارجية، وما تعرضت له بلادنا من عنف وتخريب وحملات إرهابية، في ظل تعمق الطابع الريعي والاستهلاكي للاقتصاد واعتماد السوق المفتوحة، وغياب الرؤى لتحقيق تنمية متوازنة مستدامة.
ويضاف الى هذا وغيره تفشي الفساد في الدولة والمجتمع، الذي صار منظومة متكاملة، متعشقة مع المتنفذين في مؤسسات الدولة وأصحاب القرار، فيما يوفر لها السلاح ذو الطابع السياسي الدعم والاسناد.
لقد وضعت الحرب ونتائجها، والحقائق الجديدة بعد ٩ نيسان ٢٠٢٣، شعبنا وقواه واحزابه الوطنية ومنها حزبنا الشيوعي العراقي امام مهمة أساسية مزدوجة، يتلازم فيها الوطني مع الديمقراطي، والسياسي مع الاجتماعي، أي انهاء الاحتلال واستعادة السيادة، وإعادة بناء الدولة العراقية على أسس دستورية ديمقراطية اتحادية، وتحقيق تنمية اقتصادية – اجتماعية، وضمان تحقيق الحياة الحرة الكريمة الآمنة للمواطنين العراقيين.
واليوم اذ يمر بلدنا بمرحلة انتقالية، تتسم بالصعوبات والتعقيدات، وتداخل العديد من العوامل الداخلية والخارجية، وفي ظل الصراع المحتدم المتواصل فيها حول المستقبل وشكل الدولة والنظام السياسي-الاقتصادي والاجتماعي، وفي ظل العجز المتواصل للقوى والكتل السياسية المتنفذة عن إيجاد حلول ومخارج للأزمة، واصرارها على المنهج الفاشل ذاته، يظل تطور الأوضاع مرهونا بمدى قدرة جماهير شعبنا على فرض إرادة الأغلبية.
ويستوجب تحقيق هذا الهدف النبيل من الشيوعيين والتيار الديمقراطي وقوى التغيير الديمقراطية، ومختلف القوى المدنية والديمقراطية، وسائر القوى التي تنشد التغيير إقامة أوسع اصطفاف للقوى، ينقذ العراق مما هو فيه، ودفع عملية التغيير نحو الخلاص من منظومة المحاصصة والطائفية السياسية والفساد والسلاح المنفلت وتدشين مرحلة بناء الدولة المدنية الديمقراطية والعدالة الاجتماعية.