في 21 أيلول من كل عام يحتفل العالم باليوم الدولي للسلام، تعزيزا لمُثُل السلام وقيمه ولوقف الحروب والعنف وتجنيب ملايين الأبرياء ويلاتهما، خاصة وان منطقتنا والعراق تحديدا عانى خلال العقود الأربعة الماضية من صراعات مريرة، ذاق العراقيون فيها ويلات الحروب ونتائجها الكارثية، بدءاً بمغامرات النظام المقبور مرورا باحتلال بلادنا عام 2003 وبانفلات العنف الطائفي، وانتهاءً باجتياح تنظيم داعش الإرهابي مساحات شاسعة من الأراضي العراقية، والذي ما زلنا نعيش تداعياته حتى الآن.
ورغم ما تحقق من انتصار عسكري على داعش يبقى مطلوبا المزيد من العمل، عبر حزمة إجراءات سياسية واقتصادية واجتماعية وثقافية وإعلامية متكاملة لتجفيف منابعه. وليس هذا فقط، بل كل مظاهر العنف والكراهية وتأجيج الضغائن والنزاعات التي تندلع هنا وهناك وأحيانا لأسباب تافهة.
وبعد عذابات الحروب والنزاعات تلك ومآسيهما، ما احوج بلدنا وشعبنا الى السلام الدائم المرتكز على مقومات أساسية، تتمثل في البناء الديمقراطي السليم بمؤسساته الفاعلة والقادرة على صيانة الحقوق وتوفير الثقة وانفاذ القانون على الجميع، وان يكون ذلك هو الملاذ وليس السلاح المنفلت و “الدكات العشائرية” وسواها. وهذا يوجب استعادة هيبة الدولة ومؤسساتها، الامر الذي لن يتحقق من دون بنائها بشكل صحيح واسناد المسؤوليات فيها وفق مبدأ المواطنة وعلى أساس النزاهة والمهنية، وليس المحاصصة واحتكار مؤسسات الدولة لمتنفذين ومواليهم ومريديهم، رغم فشلهم المتكرر وتجربتهم مرة بعد مرة.
والمقلق أيضا هو استمرار انتهاكات سيادة العراق، وتواصل قصف أراضيه بالطائرات او المسيرات بجانب التوغل العسكري في أراضيه، وما يسببه ذلك من خسائر بشرية ومادية وما يثيره من فزع ورعب.
وما حصل في كركوك مؤخرا يثير الكثير من القلق، ويلح على إيجاد حلول دائمة تراعي مصالح الجميع، وتجعل من المحافظة نموذجا للتآخي والسلام والتعايش المشترك.
كذلك ما زالت غصة ما حدث في انتفاضة تشرين من قمع دموي وحشي للشباب المنتفضين راسخة في أذهان المواطنين والمنتفضين، والتي راح ضحيتها 900 شهيد وأكثر من 27 ألف جريح، فضلاً عن أعداد كبيرة من الملاحقين والمغيبين، فيما لم تعلن حتى اللحظة هوية الفاعل والذكرى الثالثة للانتفاضة على الابواب.
وفي هذا السياق ما زال مطلوبا التطبيق الفعلي لمطلب حصر السلاح بيد الدولة، وتفكيك المليشيات ومصادرة سلاحها ومعه سلاح مافيات الجريمة المنظمة وتجار المخدرات.
ان هناك وقائع وظواهر عديدة تزعزع الاستقرار في العراق، يضاف اليها إصرار المتنفذين على تأجيج مشاعر المواطنين في قضايا يفترض أن تعالج بتطبيق القانون وبإشراف مؤسسات الدولة، لكن هذه القوى تدرك جيداً أن بقائها وديمومتها في السلطة يكمنان في اثارة المشاعر، وتجاهل بناء مؤسسات الدولة، وفسح المجال أمام الخارجين عن القانون، وبسط يد الجماعات المسلحة، وزعزعة الثقة بالقوات الأمنية وبالقانون.
في يوم السلام العالمي نتطلع الى ان يسود الامن والاستقرار بلدنا، وهو ما لن يتحقق مع بقاء الظواهر المشار اليها، يضاف الى ذلك وجوب تأمين حياة كريمة آمنة للمواطنين وابعاد شبح الفقر والجوع والمرض عنهم، وإيجاد أجواء يشعر المواطن فيها بانه في مأمن في مسكنه وعمله، وفي حقه في التعبير عن آرائه ومواقفه، وانه لن يلاحق بسبب ذلك.
ويتوجب كذلك تمكين الأجهزة العسكرية والأمنية الدستورية ومحاربة الفساد داخلها واستعادة ثقة المواطنين بها، إضافة إلى استكمال بناء مؤسسات الدولة ومعالجة المشاكل وفقا للقانون والدستور، وقطع الطريق أمام الجماعات المسلحة والداعمين لها من أرباب المحاصصة والفساد.
وفي يوم السلام الدولي نعبر عن خالص الامنيات لشعوب منطقتنا، وعلى الأخص شعوب سوريا واليمن وليبيا، في توقف الحروب والنزاعات والتدخلات الخارجية، ولشعب فلسطين في نيل حقوقه المشروعة كاملة. كما نضم صوتنا الى قوى السلام المطالبة بإيقاف الحرب الروسية – الأوكرانية وتجنيب الشعبين مزيدا من مآسيها وكوارثها.
ان تحقيق وترسيخ السلام والاستقرار والتنمية والازدهار والعدالة، هو ما تتطلع اليه شعوب العالم، وهو ما لابد ان تتحقق عاجلا ام آجلا.