يحتدم الجدل حول مساعي تشريع تعديل لقانون الأحوال الشخصية رقم 188 لسنة 1959، ومدى انسجام ذلك مع الدستور وحقوق الانسان، ومع المعاهدات والمواثيق الدولية التي وقع عليها العراق وأقرّها.
ورغم الاعتراض والرفض الواسعين لهذه المساعي، شعبياً وسياسياً وبرلمانيا، أصرت القوى المهيمنة على إجراء القراءة الثانية لمقترح التعديل. فهناك 124 نائبا رافضا لذلك، وقد قدموا قائمة بتواقيعهم الى رئاسة مجلس النواب بالإنابة، التي تسلمت تواقيع 100 نائب مؤيد، فيما رفضت استلام قائمة بتواقيع المعترضين، بل واقتطعت أجزاء من مداخلات بعضهم عند بثها، في مؤشر على عدم الالتزام بالسياقات القانونية للنظام الداخلي لمجلس النواب.
وبعد كسر النصاب في الجلسة السابقة، جرى ادراج القراءة الثانية في جدول عمل المجلس، احتوى على قوانين مختلف عليها ايضاً، مثل (العفو العام وقرارات مجلس قيادة الثورة المنحل) في محاولة لفرض تمريرها بحزمة واحدة، رغم الأصوات المعارضة لتعديل القانون ١٨٨.
لقد فشلت قوى برلمانية عديدة في انجاز شيء لجمهورها وللشعب العراقي عامة، طيلة مدة الدورة البرلمانية الحالية، مما دعاها الى دعم هذا التعديل المجحف، في توجه لإشعال الاختلاف الطائفي الذي تستفيد منه وحدها في الصراع السياسي، ثم توظيف ذلك انتخابياً ليس الا.
ولم يبرر مقدمو المشروع حتى الآن، الصيغة التي جرى ادراج التعديل بها في الدورة البرلمانية الحالية، ولم يقدموا إجابات على الأسئلة الكثيرة التي طرحت منذ اكثر من شهر، وغالبها متعلق بالمدونات وطريقة كتابتها وآلية اقراها. كذلك عدم ادراجها بالتوازي مع طرح التعديل، بل الانتظار 6 اشهر، ما اثار استغراب الكثير من النواب والمهتمين.
وواضح ان القانون الحالي بحاجة الى اجراء بعض التعديلات على القضايا الإشكالية، التي باتت مهمة مع التطورات التي يمر بها بلدنا، خصوصاً ما يتعلق بحقوق الطفل والمرأة ويحفظ كرامة الاسرة وفق الدستور. لكن طريقة تقديم القانون تدل على سعي لتعديله في سياق بعيد عن حفظ حقوق المرأة وكرامتها، وعن ادامة تماسك الاسرة، إضافة الى تداعياته ذات الصلة بالبناء المدني للدولة، وإيجاد سلطات موازية لمؤسسات الدولة ولا سيما القضاء.
اننا لا نرى مبررا لتشريع قانون مهم كهذا، يمس حياة الاسرة العراقية بشكل يومي، بمثل هذه الطريقة المستعجلة، ودون ان يُطلَق نقاش واسع حول مضامينه ومدى إمكانية تطبيقه، ودون ان يكون هناك خلل يواجه المنفذين له، كذلك عدم قضمه حقوق المرأة والطفل وتجاوز القضاء.
ومن اجل تشريع قانون خال من المشاكل والصعوبات، نؤكد أهمية تحويل الامر الى مجلس الوزراء، الذي عليه معالجة الإشكالات التي جرى طرحها في التعديل، ويبدأ نقاشا مع جميع الجهات ذات المصلحة في القانون، باعتباره قانونا يهم المجتمع كله، وبالتالي لا بد من توافق عام عليه، وعدم احتساب إقراره نصراً لطرف على حساب طرف اخر. ومن الضروري الا يكون هناك سعي لقضم حقوق المرأة والطفولة والاسرة، ولا لاعتماد ما يتعارض مع الحقوق التي نص عليها الدستور.
ان هذا الطريق السليم، كما نرى، لتقديم مشاريع القوانين وان تكون في محصلتها تخدم المواطنين جميعا، وليس إضافة تعقيدات جديدة الى معاناة المواطنين الحالية.