تتكشف يومياً بعد يوم قرائن ومعطيات تدين العديد من الممارسات الفاضحة، التي رافقت الانتخابات الأخيرة، وتظهر اعترافات هنا وهناك بوجود عمليات شراء أصوات وتضليل للرأي العام وتوظيف للمال العام والسياسي في الدعاية الانتخابية، إضافة الى أحاديث عن وجود تلاعب في الأصوات.

ووفقاً للمعطيات، فأن ما أعلن من نسب مرتفعة في المشاركة في الانتخابات والأوراق الباطلة، يثير الشكوك هو الآخر، اذ بينت تقارير مراقبي مختلف الجهات المستقلة والحزبية، ان نسبة المشاركة لم تزد على 40 -41%، فضلاً عما حصل بإشراك مليوني مراقب كيان سياسي وما يلحقهم من عوائل ومستفيدين، كذلك موضوع المشاركة الواسعة في التصويت الخاص، ما يدل على ان القوى المتنفذة بدأت العملية الانتخابية وفي حوصلتها عدد غير قليل من المقاعد.

الأمر الاخر الذي يثار حالياً، هو الوعود الزائفة بتوظيف العديد من المواطنين في هيئة الحشد الشعبي، حيث جرى تدريبهم بصورة أولية في أحد مقار الحشد، ومنحهم هويات مزورة، واجبارهم على توقيع وثائق تدينهم اذا صوتوا لجهات أخرى غير المرشح الذي جرى ابعاده يوم امس الأول. وان هذا الامر لا يحتاج الى ابعاد المرشح واصواته فقط، بل ويتطلب تحقيقا شاملا في تفاصيل أخرى، باعتبارها تمس الامن الوطني.

واذا ذهبنا أبعد في حيثيات الحملة الانتخابية، وما حصل فيها من تجاوز على المال العام، وفي التضليل، فأن حملات افتتاح المشاريع التي قيل عنها انها أنجزت، وتبين لاحقاً انها لم تكتمل بصورة نهاية، كذلك اجبار الطلبة على حضور فعالية انتخابية لاحد المرشحين، وإصدار كتب شكر الى موظفي الجامعات، وتخفيض أجور وغيرها، كلها وغيرها تحسب في خانة استغلال المنصب.

وكان هناك الكثير من المعطيات التي تؤشر وجود خلل في العملية الانتخابية. فما حصل من قتل احد المرشحين وتهديد آخرين، كذلك ابعاد مرشحين دون غيرهم، وظاهرة الركائز وشراء الأصوات، فضلاً عن الخطاب الطائفي، وعمليات تعبيد الشوارع ونصب المحولات الكهربائية، والصرف الانتخابي غير المسبوق وغيرها،  تدل على ان مفوضية الانتخابات غضت النظر عن الكثير من الأمور، التي اثرت على نزاهتها باعتبارها كياناً مستقلاً يشرف على هذه العملية، واذا ذهبنا ابعد من ذلك، كانت هناك دعاوى قانونية تدل على وجود قوى سياسية تملك اذرعاً مسلحة لم يجر حسمها قبل الانتخابات!؟

ان ما كشف حتى الآن، لا يدع مجالاً للشك في ان هذه الانتخابات تميزت عن سابقاتها بكثافة استخدام المال السياسي، والتوظيف الواسع لمؤسسات الدولة، وتجاوز كل خطوط التأثير على خيارات الناخب، بما في ذلك التأجيج الطائفي، ورفع وتيرة المخاوف والحذر بين أطياف شعبنا العراقي.

كل هذه المعطيات وغيرها التي لم تُكشف بعد او هي في الطريق الى ذلك يثلم شفافية وصدقية الانتخابات. وما كشف يبدو انه جزء صغير من حقيقة أكبر وأكثر خطورة وتعقيدا، فما ظهر هو "رأس الجليد الظاهر"، وما خفي كان أعظم. ويحتم الواجب الوطني استمرار المساعي لكشفه وتبيان حقيقة المزورين والغشاشين والفاسدين والمتلحفين بغطاء ديني، متوهمين انه يحميهم ويبعد عنهم الشبهات، في تصور خاطئ بأنهم في مأمن من المراقبة والحساب!.

ان المطلوب الآن وفي ضوء هذه المعطيات الخطيرة، اتخاذ إجراءات حاسمة بشفافية عالية من قبل مفوضية الانتخابات، تتمثل في ابعاد من ثبت قيامه بما اشير اليه أعلاه، والتوقف جدياً امام ما نشر في مواقع التواصل الاجتماعي والتدقيق فيها.

ومطلوب ايضاً اشراك المراقبين المحليين وممثلي الكيانات السياسية والجهات ذات العلاقة في هذه الإجراءات، وعدم التسرع في المصادقة على نتائج الانتخابات، وفتح التحقيقات الشاملة في كل ما يثير الشك، وإعطاء الوقت الكافي للمزيد من التمحيص والتدقيق المطلوبين والملحين.

ان غياب العدالة الانتخابية والإجراءات الحازمة لإيقاف الفاسدين والمزورين، يتنافى مع القانون والدستور، ويضع مفوضية الانتخابات والجهات الداعمة للعملية الانتخابية على المحك، فضلاً عن استمرار الشكوك في نتائجها التي غيبت أصواتا كثيرة، كان يمكن ان تسهم في البرلمان الجديد.