خـواطر مبعثـرة / يحيى علوان

ربما يكون قد قيلَ ما سأقول ..

وقد يكونُ "تناصاً" مع ما لا أعرفه !       

 

رأيتُ في منامي أنّي أحلمُ ...

يافطاتٌ تزحمُ بعضَها ،

تَخنقُ الشوارعَ والساحات ..

بَشرٌ  يقفُ تحتها أو أمامها يرفعون شارات نصرٍ ...

لا أدري على مَنْ ؟

علَيَّ ؟!

أنا ما إستسلمتُ قَطْ ...!! 

قد يكون المقصود غيري !

يافطاتٌ تعاكس الزمن السريع .. تستحثُّ موتى الماضي العتيق ،

يافطاتٌ باردة "الدمِ" ، لا تأبه بالمستقبل ،

بنَولِ الجهالةِ الصَدِىء تَنسجُ خرافاتٍ لتسويقِ "حكاية " اليوم الملفَّقة .. 

...................

يَلتمُّ حولي قومٌ يصرخون : لماذا تَرمُقُ  اليافطاتِ بطرفٍ ساخر ...؟!!

أخافُ أنْ يَستفرِدوا  بي ..أهربُ ، فأصحو من الحلمِ لاهثاً ، مفزوعاً ..

أُسائلُ نفسي ، ما هذا الزائرُ الثقيل ، الذي لا يُجَسُّ ولا يُمَسُّ ..

هذا الذي نزَعَ قِشرَته فتَجلَى ؟!

لماذا لا يتركني الحلم ، ويحلمُ لحاله ؟!

ما أَسأتُ لمَنامي ، لماذا يُناكدني في رَقدَتي ؟!

أي إيقاعٍ نَشازٍ ينشأُ عن لقاءِ الواقعِ مع وَهمٍ أَخرقٍ ، عَنيد ؟!

تُرى أَنكونُ وضعنا مِلحاً زائداً أو ناقصاً في الشعارِ ، فأختَلَّتْ معادلةُ كيمياء الواقعْ ؟!!

سننظرُ صوبَ ما فعَلَ الزمانُ بنا ، وما فَعلنا به ..

أتُرانا نَتَذرَّعُ بنسيانٍ ضروريٍّ لحماية بقايا ذاكرة يُسوِّسُها الزمان ؟!

سأرجِعُ إلى منامي .. فلا شيءَ ضامن للمستقبل !!

وأَترُكُ حِمارَ الحكمةِ مَنسيّاً فوق التَلَّةِ ،

يسخرُ من تَناسُلِ خُرافةِ الثنائيات ...

لأنَّ ساعةُ " الحصاد " لم تَحُنْ بَعْدُ !!

 

            *                 *                *

 

كُنّا ألِفْنا الطريقَ الدائريَّ .. لا أمامَ فيه ولا خلف ،

لا شمالَ ولا جنوب ،

حتى طَوَّحتْ بنا قُوَّتُه الطاردةٌ ...

دونَ أن نتركَ وصيَّةً للأهل أو للدارِ ، نُهاجر كالسنونو ،

نحمِلُ نُعوشَنا .. ما خفَّ من أحمال ، أشياءَ الغيابِ ..

بعضُ صورٍ ستشحَبُ ، وخواطِرَ ،

سَتَصفَرُّ رسائلَ ،  لَم تُرسلْ لحبيبةٍ .

لكنْ لا مَهرَبَ من لَعنَةِ الذكرى !

نَلوذُ بمَلاكِ النومِ من أَرَقٍ .. يُعاكسُ النسيان !

حياتُنا هي أنْ نكونَ كما نُريدُ ،

نَحيا قليلاً ،

لا نخافُ الموتَ ..

لا نِسيانَ يَجمعُنا ولا ذِكرى تُفَرِّقُنا ..

قَتلى  أو مجهولونَ ،

نكونُ فلا يكون ..

وإنْ كانَ فلا نكون !

لكننا سننامُ أو نموتُ واقفينَ ، أَليفَاً !!

نَطيرُ مع فَراشاتِ  أحلامٍ لصُبحِ  رضيعِ ، فوقَ سياجِ  خُرافةِ هَشَّةٍ ..

لا تُظلِّلُ عاشقَيْنِ ، أو مؤمِنَيْنِ شكَّاكَيْنْ .. !

إلاّ إذا  إنكسَرَتْ  "سِدرَةُ المُنتَهى"!!

.......................

بوضوحٍ  أو غُموضٍ .. ستنكسِرُ " السِدرَة " !

فماذا عَسانا فاعلين ، حينَ ننتَبِهُ إلى الغيابِ فجأةً ؟!

ونجدُ أنفُسنَا حاضرينَ مِلْءَ الغياب ..؟

كيفَ سنُكمِلُ الحياةَ في المنامِ ..؟!

وهل نتذكَّرْ حينها إنْ كُنّا  أسأنا  الحُلمَ !

.........................

على مَهلٍ سنَصحو ..

وَنطردُ كابوسَ السباخ ،

فكُلُّ نهرٍ سيشربُه بحرٌ يجدِلُ موجَه لاهياً  عَنّا ..!

سنزرعُ الريحانَ والنعناعَ  وشقائقَ النُعمان !!

لا نُغيّر إلاّ  إيقاعَنا ، كي نسمعَ صوتَ القلب جهورياً !

............................

وإنْ مُتْنَا ، سنَبكي الأحياءَ ،

حينها سيكونُ لدينا كفاية من الماضي ،

لا يَنقُصُنا سوى غَدٍ ..!

نتصالحُ فيه مع مَنْ إنتظرَ عودتنا طويلاً ، حَدَّ اليأس !

وَقتها سنُحرِّرُ أنفُسَنا من سجنِ الحنين !!

 

                *                *                 *

 

سُقوفٌ ، سُقوفٌ .. سُقوفْ ..

سقفُ الأرضِ سماءْ ..

أتكونُ الأرضُ سقفَاً مقلوباً للسماء ؟!

وماذا يُنجَبُ إنْ تَزوَّجتِ الأرضُ السماء ؟!

......................

للدارِ سقفٌ ، إنْ أُهمِلَتْ صيانَتُه ، سَقَطَ على رؤوسِ أَهله .

وللحبِّ سقفٌ يَقوى باللطافة والرقّة ،

ويَنخَره النَقُّ والتَطَلُّبُ الزائد والغيرةُ  !

.....................

للإصطبار سقفٌ ، تُحدِّدُه قُدُراتكَ على التَحَمُّل .

للأحزانِ والرغباتِ سقوفٌ مُتفاوتةُ الإرتفاع !

للأسعارِ سقفٌ ، يُحدّده ما في الجيب !

للزمان سقفٌ ، يتحدَّدُ بإرادة الحريةِ والإنعتاق ..

.....................

للزنزانةِ سقفٌ ، تَثقبُه أحلامُ السجين .

للحريةِ سقفٌ مرهونٌ بعقدٍ إجتماعيٍّ مُصاغٍ بقوانينَ نافذة !!

وللغَضَبِ سقفٌ تُحدِّده جيوشُ النَملِ تَضِجُّ في عروقِك  إزاءَ فَظاعَةِ القَهْر ،

فقد ساوى الرصاصُ ما بينَ الجبانِ والشُجاع !!

                                                                                                   برلين -  يحيى علوان