عمل روائي بالغ الأهمية في المحتوى والمضمون الرمزي في شفراته السياسية , يسلط الضوء  على  الحقب التي تصدرت المشهد السياسي ,  في كل أبعاده السياسية والاجتماعية بلغة النقد السياسي ,  وفي اتجاه الواقعية الحديثة , أو بالأحرى الواقعية  الرمزية الحديثة  ,  في ظروف الواقع المتبدل والمتقلب  , الذي  فقد صوابه و بوصلته ,  واتجه في صوب معاكس للارادة عامة الناس والبلاد , البعد الرمزي السياسي يوجه رسالة انسانية في كل معانيها الى  عامة الناس , بتسليط الضوء على هذه  الحقب السياسية  , التي اهتمت بصناعة الديكتاتور , بشفرات رمزية بالغة الدلالة والمعنى والمغزى في إيحاءاتها البليغة   , لكشف واقع الازمنة السياسية التي مرت بالعراق , انه مشروع روائي يمتلك المغامرة غير مألوفة , في الرصد الروائي بتقنياته الحديثة , في ابتكار الفكرة او الرؤية الفكرية بشكل خلاق وتطعيمها بالشفرات الرمزية الداله في مدلولاتها التعبيرية العميقة   . فإن رواية ( قاتل أبيه ) صياغة وتقنية ورؤية مختلفة غير مألوف ,  لكنها تملك رصيد واقعي  وفعلي ,  في الحدث الروائي يحمل  المغزى ,  الذي  قاد الى المعاناة القاسية للناس  , ضمن  وجودية المكان الثابت ( السماوة ) لجعله  رمزية للعراق ككل , ان المنظور الروائي يثير احاسيس القارئ في التفكير والتأمل, وتحريك ذهنه لواقع الحال , وما جرى ويجري , اي ان عملية الخراب متواصلة لم تنقطع  ,  يمتلك العمل الروائي سيمائية  الجدل والنقاش الموضوعي الرصين , لكنه   يحمل  مغامرة في الطرح والتناول, في انطباعات وقناعات واقعية , اضافة الى  اللغة المشوقة والمرهفة في السرد , إنها تسلط الضوء على المعاناة والحرمان بشكل صياغة معقولة ومنطقية , ضمن عقيدة النظام الحاكم الذي يؤمن في ( أنا الدولة والدولة أنا )   و الشخوص الروائية تمثل عامة الناس المسحوقين والمعدومين  , والشخصية المحورية ( نوفل عرفان ) هو يمثل المثقف الواعي والملتزم من عامة الناس ,  لقد دأب على  عشقه وحبه الطاغي  للأدب والفكر الثقافي  والشعري العربي والعالمي , يؤمن  في مقولة بودلير ( لن يكون الرجل العظيم إلا اذا انتصر على أمته  جمعاء ) لكن  ليس في غرس بذور الخير والعطاء والخصب , وإنما في غرس بذور الشر والهلاك لمعاناة البشر في البؤس والخراب  , في الانزلاق الى النزوات  الرعناء  والحمقاء  في شن الحروب العبثية المتوالية  , التي قادت البلاد الى الهلاك . إن العمل الروائي ثمرة جهد متواصل يقوم به الكاتب بالتحري عن السيرة الذاتية لحياة ( نوفل عرفان ) من خلال بحثه الدؤوب والتقاءه مع عدة شخصيات رافقت حياة ( نوفل عرفان ) وبالاخص الشخصية المقربة  ( ساجد روضان ) الذي صاحب حياة ( نوفل عرفان ) عن قرب وعرف أسرار حياته , لذلك يعطينا الكاتب , الضوء الكامل على هذه الشخصية التي اشتهرت بين الناس ,  بأنه القاتل أبيه . 
ومن اجل تسليط الضوء على الشخصيات الرمزية وتحليل شفراتها الرمزية الدالة باختصار :
 1 - شخصية نوفل عرفان :
الانسان المثقف الواسع الاطلاع في الأدب والشعر والرواية العالمية , احب وعشق شعر محمود البريكان وبودلير  رامبو ومولر وغيرهم من الأسماء المتألقة في سماء الشعر والرواية والفن والموسيقى العالمية   , انه مثقف واعي وناضج ومدرك ركام المعاناة للناس ,  يحمل خزين واسع وغزير من المعارف الثقافية والادبية والشعرية , منذ صباه دأب  في اقتناء وشراء الكتب ,  و يمتلك وعياً ناضجاً لمديات الحياة والواقع , يتعامل بحذر , رغم انه يعيش الحرمان والمعاناة , انه انسان مسحوق كغيره من الناس ,  تدوسه أقدام الواقع الثقيلة في معاناتها القاسية . ان حياته مليئة بالحزن والشجن , لذلك يجد مأواه الأمن من ثقل الحياة بالعزف على الناي , لكي يخمد هيجان روحه القلقة بالحزن ,يواسي  احباطاته المخيبة بالعزف على الناي , يزيح أثقال الحياة الوخيمة بالعزف على الناي, يجد بالعزف تهدئة جروحه النازفة كعامة الناس , الذي تتموج بشغف حزين   بالشجن العراقي , اتهم بين عامة الناس وعرف بالتسمية المعروفة والمشهورة ( بقاتل ابيه ) لذا سيرة حياته مرتبطة بهذا الاتهام  ( أتعرفه ؟ / ومن لا يعرفه؟ّ / أنا لا أعرفه ؟ /من هو ؟! / يقولون عنه قاتل أبيه ؟ /  ماذا ؟! ) ص16 . عاش حياة  مليئة بالحرمان والظلم , احب وعشق الكثير من النساء , لكنه لم يوفق , واخيراً  زج في الحرب بعد هروبه , وعاد معوقاً مبتور الساق من جبهات القتال.
 2 - رمزية الناي :
يمثل   رمزية سمفونية الحزن والشجن العراقي منذ الأزل , والحزن مرادف لحياة العراقي كظله , يجد في عزف الناي الوسيلة الوحيدة , لتهدئة وسكينة انفعالاته من قسوة المعاناة الحياتية , فالناي الملجأ الأمن لتهدئة أزماته ومشاكله التي لا تنتهي بل تتفقس بالكثير من المعضلات , من الأخبار السيئة التي تتزاحم على رؤوس عامة الناس , صوت الناي  يمثل الوجع العراقي الذي لا يهدأ ولا يكف , فهو يخاطب النفوس النبيلة في صوت الشجن , لذلك يتخذ عازف الناي ( نوفل عرفان ) زاوية من الجسر الذي ضرب من قبل طائرات التحالف الدولي في حرب الخليج عام 1991 . , الوقت المناسب للعزف على الناي هو  في جنح الظلام , رغم ان المكان موحش لكن ( الامكنة الموحشة باعثة على التطير صانعة غيوم الهواجس . الوحشة ترعب المتهجسين ) ص6 . و ( صوت الناي الشجي أربك منظومة رغبة ترجل أرتأيتها تمنحني سكينة يفتقدها كل من حرم من لذة الهدوء وسط جنون حياتي لحياة  لا تطاق لذوي النفوس النبيلة ) ص7 .
3 - شخصية ساجد روضان وشخصية الكاتب : 
 الاول من خلال قربه ومصاحبته المستمرة عن قرب لحياة صديقه  ( نوفل عرفان ) استطاع ان يوصلها الى الكاتب , بمعنى ايصال الحقيقة وكشفها على الملأ , تعتبر  جريمة لا تغتفر في الانظمة الطاغية , من يكشف الحقيقة عقوبته الموت والقتل والاغتيال , وهذا ما حدث في قتل ( ساجد روضان ) . أما شخصية الكاتب هي  ايصال السيرة الحياتية وكشفها الى العلن أو النشر وهو يمثل بأن الأحداث التاريخية  , لا تسقط مهما بلغ قوة الجبروت الطاغي , بمعنى هذا الثنائي احدهما يكمل الاخر . الحقيقة والتاريخ والكشف والتواصل , من خلال السعي والجهد المرهق لتحري على حقيقة قاتل أبيه ( نوفل عرفان ) من خلال التقاء بالكثير من الأصدقاء والشخصيات التي تعرفه عن قرب  , من اجل اكمال سيرة  حياة ( نوفل عرفان ) وتسليط الضوء  عليها .
4 - رمزية شخصية عرفان : صناعة الديكتاتور .
 عندما تنفتح ابواب الحظ على مصراعيها بدون موعد أو سابق أنذار  , يشبه التتويج للملوكية بالملك , بأن ( طير السعد ) حط على رأسه ونقله من حياة الفقر البائسة , الى حياة الغنى والثراء والنفوذ والجاه والسلطة , بقفزة لم يتوقعها حتى في احلامه , وصار يحكم بالمطلق بالقبضة الحديدية  وحياة البذخ الفاحشة , يعني المطر الغزير للخيرات والنعم ,  تستهلك على نزواته  الذاتية ,  وليس لصالح العام , ولا  في البناء والتطوير والاعمار لرفاهية عائلته وأهل بلده , بل حرموا منها كلياً , في تشطي المعاناة والحرمان , استهلكت في نزواته الرعناء والجنونية في شن الحروب في وباء مرض العظمة والعبادة الفردية . ان يصبح اول المقاولين في البلد لتكريس العبادة الذات  ( وصار الأب من عداد الأغنياء والمتنفذين ..  غنى ليس لصالح الاسرة وتطويرها وتحديثها وإنما لتحقيق نزوات متعة فردية للاب حرمان ومعاناة من الام وابنها نوفل وسهيلة ) ص58 . وتسليم مقاليد البلد الى الغرباء والمقاولين الطامعين بشراهة إلى الاستحواذ على الخيرات والموارد المالية للبلد . والحروب التي شنها لم تجلب سوى الخراب والدمار , وكانت نهايته الحتمية , كما انهزمت النازية  الهتلرية , وشيعت الى مثواها الاخير بالموت والعار.
 5  - رمزية المملحة :
ترمز إلى  بلد الرافدين , الذي يعج بالخيرات  و الثمار  الوفيرة , من شأنها ان تسعد الناس في حياة كريمة مستقرة , ولكن منذ ان استولى ( عرفان ) على المملحة ( السلطة )  , استغلها في تمجيد نفسه بالعظمة , وسلم مقاليد البلاد  الى الغرباء والمقاولين الجشعين  وكانت النتيجة المأساوية , ضاع البلد والعباد  ( أزمة نوفل عرفان بالشعور بالحيف الكبير من سلوك أبيه الشائن تجاه العائلة . ذلك السلوك الذي أدى الى ضياع المملحة باندفاع المقاولين الطامعين وكل من هب ودب لنهبها واقتسامها ) ص128 .