كشبح كهل وعند الواحدة ليلاً كعادته، يمرُّ منزلقاً على الطريق بلا انوار أو زجاج نوافذ، خفيف الظلّ كجرم سماوي مُنفلت، انهكه الدوران السرمدي في سماوات النهار، على الطرقات الطينية المليئة بالحفر ومياه السماء، تنوء اضلاعه الخشبية وتصرُّ ألماً تحت ثقل أجساد الركاب والاحمال المختلفة، على مساطبه وجدرانه الداخلية نقش العشاق ذكريات قلوبهم وآهاتهم بكلمات الحب الملتهبة، تشبّع خشب الجاوي بلون الدبس وحكايات النساء، الديرم والحناء والطين خاوة وشبق عطر الياسمين لأجسادهن، اقدام ازواجهن المُفطّرة بالعشق الى طين الانهر، وكيف يلعقن حلاوة نهر خوز منها في غفلة الليل، مع هدير"الباص" تنساب احلامهن بين ظلال سعف النخيل الذي طرّز اول قبلة عشق في وهدة الظهيرة، تمتد الايدي الى اثداء التمر لنخلة انحنت على شفاه نهر، فيرتعش الكون وتزوغ عين الشمس بين ثنايا "النفنوف" الزَهريّ المبتل برطوبة الحبّ، تتأوه القبـّرةُ، يَصفقُ الهدهدٌ بجناحيه، تتلفت الببغاء بعينيها الواسعتين.. لتطمأنّ، فيغرّد ُالبلبل منتشياً بحلاوة التمر.
عراك الصبية وصراخهم بين بيوت الطين تكبح من عنفوانه، يُكيّف سرعته مع التواءات الطريق الممتدة كأفعى سوداء تنزلق ُفوق القناطر بين اشجار النخيل والسدر والتين والرمان والعنب... الى ابى الخصيب، يتدفأ بجيكور ويتوسد بويب فينطفيء الجسد المنهك، بأنتظار أن تنبلج خيوط الشمس لتطرز احلاماً جديدة.
عبد الرضا المادح
2010.02.14
البصرة