(أعلاه هو عنوان الكتاب الذي أصدرناه مؤخراً، وهوعبارة عن مجموعة من المقالات، تتحدث عن الصحبة والمكان والحنين الى الماضي، وتعريفاً بالكتاب للقارئ الكريم فها نحن ننشر ما جاء في مقدمته).
تمهيد:
بيندفتيهذاالكتابمجموعةمنالنصوصالمتنوعة،والتيتتحدثفيقسممنهاعنالعديدمنالشخصياتالتيكنتقدالتقيتهافيأزمنةوأماكنمختلفةومتباعدة،وأقمتوإياهاأطورالعلاقاتوأجملهابلوأكثرهاحميمية. وكان من بينها مَنْ رافقني مرحلتي الطفولة والصبا وحتى المراهقة. أو كنت وإياها قد إشتركنا فيما بعد بذات الهَمِّ والإنتماء السياسي، والتي على أثرها بتنا على تناغم وتوافق كبيرين في العديد من القضايا، كتقارب الأفكار ووجهات النظر وقراءة الأحداث كذلك، وبقينا على هذا النحو ولفترة زمنية ليست بالقصيرة. ولولا بعض المنعطفات والمتغيرات الخطرة التي فُرضَت علينا من قبل مَنْ يتحكم بزمام الأمور في بلادنا ويبسط سيطرته عليها آنذاك ومن خلال إتباعه لسياسة البطش الشديدة القسوة، والحديث هنا عن حقبة السبعينات السيئة الصيت والسمعة، والتي تسببت في إغترابنا وتشتتنا المبكر وعلى مختلف بقاع الأرض. ولولا رحيل البعض منّا أيضاً الى العالم الآخر، لكنّا حتى اللحظة وعلى ما أكاد أجزمُ على وفاق وتواصل دائمين.
فهيإذن (أي هذه الشخصيات) وإذا كان لنا من إشارة أو تذكير بها أو تلميح عنها، فهي وبشكل من الأشكال وبحسب ما خَرجتُ به من إنطباعات وتصورات، وبعد توقف ليس بالقصير عند بعض تفاصيلها، ولعلي سأكون منصفا لها في تقييمي هذا أو آملاً ذلك، أقول وبثقة عالية، قد نَجَحَت في أن تترك وراءها أثراً وإرثاً بيناً ومشرفاً ولعديد الأسباب، ربما يكون من بينها ما أنتجته عقولهم وأياديهن من أعمال أدبية وفنية رائعة، أو لمواقفها السياسية المشهود بها أيضاً، وفي ظل ظروف غاية في الصعوبة والتعقيد، أو كذلك لدعابتها وطرافتها، أو لعفويتها وطيبة فطرتها.
وإذاماأردناالغوصأكثرفيالتفاصيلفسنجدمنبينهذهالباقةوالتيأفضلأنأصفهابالعطرة،الرساموالشاعروالسياسيوالمثقفالشاملوالنوعي،وكذلكالشخصيةالإجتماعيةالمؤثرةفيوسطها. لذا ولكل هذه الأسباب، ولأنها لاقت من الرضا والإستحسان ما يشار اليه ويشاد به من قبل مَنْ كان برفقتها وعايشها، أو كان قد سمع بها أو إطّلع على منجزها في فترات لاحقة، سيؤدي كل ذلك وبالنتيجة الى أن يُفتح الباب واسعاً رحباً لمن سيأتي من بعدها، لتكون هذه الشخصيات وما خرجَت به من أعمال، نموذجا مشرفاً وقدوةً حسنة، يمكن الإحتذاء بها والسير على خطاها.
وكيلايفوتني،فلاباسمنالإشارةهناالىأنَّهناكمنبينهذهالشخصيات،والتيوردذكرهافيهذاالكتاب،قدإستطاعتالتسللمنبينبعضالأعمالالروائيةالتيكنتقدأصدرتهافيأوقاتسابقة،وَنجَحَتْفيأنتشقلهاطريقاًمستقلاًوبدرجةما،ولتتمكنبالتاليمنإثباتحضورها. ولأعترف هنا وبصراحة القول وتعليقا على ذلك، فقد وجدت نفسي عاجزاً وفي بعض المنعطفات عن اللحاق بها أو الحدِّ من جموحها وألقها. لكننا وفي نهاية الأمر وفي مبادرة من كلينا فقد إرتأينا الجلوس سوية وفتح باب التفاهم مشرعاً فيما بيننا، وذلك نزولا عند إشتراطات السرد، وهذا ما تحقق فعلاً، وليخرج النص على النحو الذي سيستجيب ويتناغم والسياقات المرسومة له.
ومنبينماضمَّهذاالكتابأيضاًعددامنالأماكنالتيكنتقدمررتبهاخلالمسيرةحياتي،وبشكلخاصأثناءسنواتالغربة،والتيبلغتمستوىزادتفيهعنتلكالفترةالتيكنتقدقضيتهابينجناحيوطنيالأم. وإذا كان لي من رأي ومن ملاحظات، كنت قد خرجت به وكحصيلة لذلك السفر الإضطراري، فيمكن القول بأن بعض محطات هذا الإغتراب، كانت بمثابة ما يمكن تسميته بأماكن إستراحة وفاتحة لإعادة النظر في العديد من القضايا والمواقف وعلى مختلف المستويات، والتي سيأتي في مقدمتها الشقَّين، السياسي والفكري، والتي كنّا نعتبرها والى الأمس القريب ثوابتاً لا يمكن المساس بها بل ولا حتى الإقتراب منها وبأي شكل من الأشكال، ففي ذلك ما يعدّه البعض مروقا وخروجا عن بيت الطاعة والملة، والتي قد تؤدي الى غضب الآلهة والباب العالي من بعده.
وكيلاتذهبوابعيداأوتسيؤاالظن،وفيضوءوعلىوفقماتعلمناهامنكبارالقوموماكنّانرددهأيامالصباوالسنواتالأولىلإنتماءتناالسياسيةالمختلفة: فإنَّ شجرة الحياة دائمة الخضرة، وبها من العطاء ما يستلزم الإنتباه اليها والأخذ بدروسها وعِبرها. أمّا النظرية، ولا زال القول لمطلقها، فهي رمادية اللون يا صاحبي. لنأخذ إذاً بتلك الوصايا والتي وعلى ما أجزم لا زالت صالحة للتعاطي، على الرغم من مرور عقود عديدة على إطلاقها وربما بلغت المائة عام أو تجاوزته ببضع سنين.
أخيراوإذاكانليمنإشارةأحسبهاعلىأهميةكبيرةفيهذاالكتاب،فأقولبأنخيرمفتتحلهوبداية،هيتلكالمقالةالتيحَمَلَتالعنوانالتالي: سفرة إفتراضية الى زمان ومكان، كانا قد قضيا قسراً، والتي كنت قد كتبتها ونشرتها في العديد من المواقع الألكترونية، وكذلك في إحدى الصحف السويدية الناطقة بالعربية، وذلك قبل سنوات بعيدة خلت، وهي تتحدث عن مدينتي التي أحببتها ولا زلت. ولا بأس من التذكير أيضاً بأن هذا الكتاب الذي بين أيديكم، قد ضم بعضا من رموز مدينتي ودرابينها ومقاهيها ونهريها الخالدين، والتي ستظل عالقة في ذاكرتي ما حييت وأينما يَممتُ وجهي وطالت غربتي، فإليها أهدي هذا الجهد المتواضع، وسلام لها ولأهليها، والرحمة والغفران لمن غادرها وعزَّ علي لقاءها قبل الرحيل الى عالم الأبدية.
حاتم جعفر
السويد ـــ مالمو