ربما الحب لا يكفي أن ترى جمال امرأة... دون أن يرفّ قلبك لها!

في رتابة الحياة اليومية ومشاغلها، اعتاد صوفي أن ينهض عند السابعة صباحًا ليفتح محل الكافيتريا الذي اشتراه قبل عشر سنوات، بعدما عجز عن إيجاد عمل يناسب عمره، ولجأ إلى قرض من البنك لتحقيق حلمه.

للمحل زبائن كثيرون، اعتاد صوفي أن يرحب بهم ويجاملهم في الحديث. وبعد الغداء، وعند الساعة الواحدة، كان يجلس ليستريح على الكرسي قرب منضدة الدفع، يشرب قهوته بهدوء.

دخل صوفي عقده السادس، متزوج وله ابن وابنة تجاوزا الخامسة والعشرين. كان مقتنعًا بوضعه، إلا أن ما يقلقه هو مرضه في هذا العمر، رغم أن شكله وروحه يوحيان للآخرين أنه أصغر بكثير مما هو عليه.

في أحد الأيام، دخلت المحل امرأة يوحي شكلها بأن عمرها تجاوز الثلاثين، لكن جمالها لا يوصف... شعر صوفي أن عينيه ليستا في موضعهما. كأن هذه المرأة خرجت لتوها من البحر، تشبه الحوريات التي تحكى عنهن في القصص. شعرها متناثر، والهواء والملح كأنهما شكّلا ملامحها الآن.

قال لنفسه: ربما هذه وُلدت بهذا الشكل، دون أن تمر بمرحلة الطفولة والصبا!

رحّب بها متلعثمًا:

Hej... heeej... välkommen!

أجابته بابتسامة جميلة، وعينيها الزرقاوين تومضان بفرح، كأنها تعرفه منذ زمن.

نهض ليُلبي طلبها:
تفضلي... تطلبين شيئًا؟
قهوة مع حليب، شكرًا.

دفعت ثمن القهوة، وابتسامة من ثغرها الجميل سحرت عينيه. أراد أن يشبع من النظر إلى هذا الجمال الأنثوي الفاتن الذي لم يرَ له مثيلًا على هذه الأرض، لكن قلبه لم يرتجف... وكأنه لا يعنيه شيء.

عاد صوفي إلى مقعده، رشَف قليلًا من قهوته، وتحدث إلى قلبه:
"ربما الجمال، خاصة جمال المرأة، يجعل العين تخرج من حدقتها... لكن ماذا أفعل بهذه العينين؟ وُجدتا لتريا الجمال، لا القبح!"

اقتربت من المنضدة التي كان يجلس قربها، فراح يتأمل عينيها، شفتيها، تفاصيل وجهها، رقبتها... والقلادة التي تمنى لو كان هو مكانها.

قالت له بابتسامة:

تسمح لي بالجلوس معك، إذا لم أُعطلك؟
لا، طبعًا... هذه ساعة استراحتي.

اسمي ديانا... وأعرف أن اسمك صوفي، وهذا يكفي.

وأنا أتفق معك... هذا يكفي.

جلسا معًا قرابة عشر دقائق، تحدّثا في مواضيع شتى، لكن لم يسأل أحدهما الآخر: من أين أنت؟ أو: هل أنت متزوج؟

وعند المغادرة، عانقته قائلة:
أراك لاحقًا.

لم يكن صوفي يتوقع أن تعانقه، لكنها فعلت.

"لا تعشق الأنثى بعينيك، فعيناك ربما تجد الأجمل... لكن اعشقها بقلبك."*

أصبحت ديانا تزور المحل كل أسبوع في نفس وقت استراحة صوفي، تجلس معه، تشرب القهوة، وتتحدث بأحاديث مختلفة... أما هو، فلم يُظهر اهتمامًا كبيرًا بحديثها، رغم أنه ظل يركز على وجهها، عينيها، شفتيها، وشعرها المنثور على كتفيها.

كان قلبه غير قادر على مجاراة ما تراه عيناه من جمال... خاصةً وهو في خريف العمر، كما قال لنفسه.

وفي آخر جلسة بينهما، بعد شهرين من لقائهما الأول، وبينما كان ينظر إليها وهو يحتسي قهوته، قال لنفسه:

"القلب لا يمكن أن يعطي فرصة للعينين ليلحقا به إلى أبعد من ذلك."



ثم قال لها:

لا أعلم إن كنت تعرفين أم لا... لكنني رجل متقاعد، متزوج، ولدي أبناء كبار—

قالت بهدوء:

أنا وأنت اتفقنا ألا نتحدث عن أي شيء يخصنا...

-- أعتذر... قلبي لم يعد يحتمل...!

--_قامت، وعانقته مودّعة.


مع السلامة، Adjö..

-- ومنذ ذلك اليوم... لم تأتِ أبدًا.

----------------------------------------------

الشاعر نزار قباني*

4o