قالوا: "التخبّط في الرأي يُفقدنا التوازن."
أغلب الناس يحتفظون بذكريات جميلة مع مدنهم، خصوصًا أولئك الذين عاشوا فيها مراحل الطفولة، والصبا، والشباب، وحتى الشيخوخة.
من بين هذه المدن، كانت هناك واحدة تُعرف ببساطة باسم "المدينة"، في عقد السبعينيات. عاش فيها أناس من مختلف الطبقات الاجتماعية: المعلّم، المثقّف، الفنان، اللاعب، وحتى "الأشقياء".
من بين هؤلاء "الأشقياء" كان هناك إبراهيم، الملقب بـ**(كبنك)، ومحسن، المعروف بـ(كُلة)**. وكان هناك أيضًا رجل يُدعى الأستاذ سامر سعيد الأحمر، إلى جانب السيد حكيم الموسوي، مؤذن الجامع.
المدينة، رغم بساطتها، لم تكن تختلف كثيرًا عن غيرها. كل شيء فيها كان معروفًا: الظاهر منه وما كان خفيًا بين الزوايا. ومع ذلك، كان لكل شخص فيها حدوده الاجتماعية التي لا يتعداها.
كان الأستاذ سامر الأحمر يُلقب بذلك لأنه كان شيوعيًا. عمل كأستاذ في الثانوية، وكانت له سمعة طيبة بين الناس. اعتاد الذهاب من بيته إلى المدرسة مشيًا على الأقدام، بوجه هادئ ونظرة واثقة.
كان الناس يحترمونه، حتى "الشقاوة" مثل إبراهيم (كبنك)، الذي أُطلق عليه هذا اللقب لأنه كان يظهر ليلًا ممسكًا بـ"القامة" (سكين ذات مقبض خشبي، طولها نصف متر)، ويغلق بعض المقاهي بالقوة. أو محسن (كُلة)، الذي كان لا يتردد في ضرب خصومه برأسه إذا تشاجر.
أما السيد حكيم الموسوي، مؤذن الجامع، فكان يجمع أموال "الخُمس" من الفقراء، ويستثمرها في بناء بيوت حديثة له ولأبنائه.
ورغم هيبة هؤلاء في الشارع، فإن أحدًا منهم لم يجرؤ على إيذاء الأستاذ سامر أو التحرّش به. لم يكن لديه ظهر يحميه: لا شيخ عشيرة، ولا رجل دين، ولا صاحب مال أو سلطة.
لكن، كما كان يُقال، السبب في احترامهم له هو أنه كان يجرؤ على نقد الحكومة دون خوف، وله هيبة حقيقية في عيون الناس.
مضت الأيام، وتبدلت السنين...
بعد التغيير في عام 2003، دخل الأستاذ سامر الأحمر عقده السابع. عاش ظروفًا صعبة: سُجن، وضاق به العيش، لكنه بقي كما هو، لم يتغيّر.
ما أحزنه أكثر من كل شيء، أن بعض أصدقائه الذين شاركوه نفس المواقف ذاتها، صاروا اليوم يبحثون عن حماية من شيخ، أو سيّد، أو ملاّ، يملكون السلاح والمال والنفوذ.
ذات يوم، نظر سامر إلى نفسه في المرآة وقال:
"دعني أموت واقفًا، دون أن أطلب الحماية من أحد."