(تحت رحمة القرار 200)*
 22/08/2025

الكابوس

نهض كريم موسى من فراشه مفزوعًا تحت وطأة كابوس، وهو يتصبب عرقًا، يتحسس رقبته وكأن حبل المشنقة يلتف حولها.
 جلس على حافة السرير، ثم نظر في المرآة، فرأى شيخًا بملامح شاحبة وعينين مثقلتين بالحزن.

قال له:

ماذا بك؟ كأنك شبح خرج تواً من القبر! ماذا جنيت على نفسك وعلى أهلك بعد هذا العمر؟ وماذا حصلت بعد كل ذلك؟

رد الشيخ بعتاب:

أهذا أنت تقول يا كريم موسى؟ هل نسيت ماذا فعلنا سويًا؟

قبل 1978 – البدايات والنشاط السياسي

كانت أحلام الشباب كبيرة، خاصة في مدينة الثورة، قطاع 55، حيث الفقراء والكادحون، وحيث يزدهر الأدب والفن ذو التوجهات اليسارية.
 كان لي أخٌ اسمه رحيم، ناشط اجتماعي معروف في المنطقة.

أنا أيضًا كنت ناشطًا بين الطلبة في كلية الزراعة، وكذلك في وظيفتي بوزارة الزراعة بعد التخرج، إضافة إلى نشاطي في مدينتي، رغم المخاطر وعيون الأمن. كنت متحمسا وفرحا بذلك رغم المحاذير والمخاطر من  التابعين للحكومة

قال كريم موسى:

لست وحدك من كافح وناضل، هناك عشرات الآلاف مثلك وربما أكثر منك!

تألم الشيخ من هذا الكلام، رغم صحته، وتذكر قسوة الظروف التي عاشها.

بعد 1978 – الاعتقال وتوقيع الإعدام

بدأت حملة اعتقالات واسعة لكل من لا ينتمي أو يساند السلطة، خاصة في مدينة الثورة. كان الناس يبحثون عن النجاة بأنفسهم.
 أما أنا، فلم أستطع "تدبير حالي"، فاعتُقلت، وهددوني بكل ما يمكن أن يخطر ببالك.

قال كريم موسى باستفزاز:

إذن وقّعت على كتاب يتضمن إعدامك؟

أجبت:

نعم، وقعت على إعدامي سنة 1978 بعد أن ضاقت بي السبل. لم أشعر بالخجل، وواصلت العمل رغم الخطر على حياتي وعائلتي وأصدقائي.

بعد 1980 – الحرب العراقية الإيرانية

بدأت الحرب العراقية الايرانية كانت مأساتها كارثية على جميع الناس شكلت محرقة للشباب بمختلف الاعمار .السلطة تضغط على الناس للتطوع  والانخراط في الجيش او الجيش الشعبي مضطرا والا تعد نفسك من الاعداء

قال كريم موسى:

هذا يعني أنك لم تعد وفيًا لمبادئك. كان عليك التضحية بحياتك.

أجبته:

ظلمتني! لقد عملت مع أصدقاء لإنقاذ الشباب الهاربين من الحرب بإرسالهم إلى شمال العراق بدل السجون أو الإعدام.

صمتي عن الوجع)

لا يبرهن للموتى أني اشبههم*) ا

يوميا يأتي الكابوس ليلا واتحسس ان حبل المشنقة يشد على رقبتي مع ذألك كنت في النهار امارس نشاطي اليومي وانا عارف ان الاشباح تلاحقني في كل مكان ...ا

العزلة بعد 1985

توقفت عن النشاط الخطير بعد أن صار لي زوجة وطفلان. الظروف السياسية والاجتماعية مضطربة، والثقافة تتغير، خاصة بعد الحصار عقب حرب الخليج.
 اتجهتُ، مثل كثيرين، إلى التدين، ربما مجبرًا.

بعد اجتياح الكويت 1990، سكنت مع أهلي في بيت صغير مكتظ. كانت مدينة الثورة في حداد دائم، كل الشوارع مليئة باللافتات السوداء وصور الموتى.

ذهبت إلى المسجد أطلب الخلاص، لكن الله لم يستجب...لا حي لمن تنادي ...!؟ على الأقل هكذا شعرت.

تدهور الأحوال في التسعينيات

تدهورت حالتي النفسية والاجتماعية، فبحثت عن دخل إضافي.
 الحملة الإيمانية للسلطة حاولت إقناع الناس بأن كل ما يحدث قدر من الله، لكن الكابوس كان يزورني بين حين وآخر.

قال كريم موسى ساخرًا:

يبدو أن الأشباح جعلتك شخصًا آخر!

اجاب الشيخ ربما حقك تتحدث بهذا التعالي لأنك لم تعيش الظروف التي عشتها

حتى الموت المسكين

انزوى جانبا / وأجهش بالبكاء) *ا

لكني حاولت ابعاد الشبح او الكابوس الذي يأتيني ليلا ,واقنع نفسي بانه قدرا من الله .لكنه لا زال يأتيني من حين الى اخر... لأنه السلطة المجرمة لا زالت قائمة

بعد 2003 – التغيير المرّ

سألني كريم موسى:

أكنت سعيدًا بالتغيير؟

أجبته:

نعم، لكن ليس بهذه الطريقة. تخلصت من الكابوس، ولم أعد أخاف الملاحقة، وهذا أراحني وعائلتي.

بعد 2007 – خيبة ما بعد التغيير

القتال الطائفي والفوضى خيّبت آمال الجميع.
 لازمت بيتي لسنوات، وانتقلت من مدينة طفولتي إلى بيت آخر.
 لم يزرني أحد من أصدقائي القدامى، ولم أجرؤ على زيارتهم حتى لا يظنوا بي التملق.

بعد 2019 – خيبة انتفاضة تشرين

قلت لكريم موسى بعدَ انتكاسة الانتفاضة، فقدت الأمل بالتغيير.وانا متشائم لمستقبل الناس بالتغير نحو الأفضل

ردَ كريم موسى

  هذا الكلام متأخر ولا يفيد بشيء، خاصة وانت في خريف العمر.

قلت له:

هذا صحيح لم يبق الكثير من العمر لأودع الحياة. لا أفكر في نفسي، بل في الأجيال القادمة، أبنائي وأصدقائي ومحبيّ الذين يحلمون بمستقبل أفضل. وأخشى أن يكون القادم أسوأ من 1978، لأن هؤلاء الان في السلطة أكثر وحشية، يملكون السلاح والدين المتعصب.

ردَ كريم موسى ببرود :سوف لن يحدث هذا , لكنني ربما أفكر بنصيحتك...؟

---------------------------------------------------------------------

 قرار رقم 200 الصادر في 12-08-1974يعاقب بالإعدام من ينتمي لغير حزب البعث...*) ا

ابتسام ابراهيم شاعرة وكاتبة صحفية *(1980...)

رياض محمد ممثل ومخرج مسرحي وشاعر (ابو صبا ...1954*)