في مدينة الحلة، حيث يمتزج عبق التاريخ بنبض الفرات، وُلد زهير بن إسماعيل المطيري عام 1951، وتفتّح وعيه على وقع المسرح والكلمة. لم يكن المسرح عنده مجرد منصة، بل رسالة، وموقف، وحلم يُكتب بالجسد والصوت، ويتجسد في عيون الناس وإيماءاتهم. هو فنان وكاتب ظلّ وفيًّا للفن الأصيل طيلة أكثر من نصف قرن، لم تغوهِ الأضواء الزائفة، ولم تستدرجه العروض العاجلة، بل ظل يحرث أرض المسرح كفلاحٍ لا يعرف غير الأمل والبذرة والعطاء.

منذ خطواته الأولى في النشاط المدرسي في ستينيات القرن الماضي، ومرورًا بمسرحيات خالدة كـ"كفاح"، و"ثائر من بلادي"، و" لا للأمية"، حتى تأسيسه مسرح الشرطة في بابل ثم في بغداد، لم يتوقف زهير المطيري عن توسيع حدود العمل المسرحي، مخلصًا لرؤيته التي تمزج بين التوثيق الفني والالتزام الاجتماعي والوطني.

عرفه النقاد كواحد من الأصوات النادرة التي جمعت بين الحس الشعبي الرفيع والوعي الثقافي، بين التمثيل والتأليف والإخراج، وبين المسرح الجماهيري والمسرح النخبوي. وقال عنه أحدهم: "هو من القلائل الذين لم يغادروا همّ الناس في أعمالهم، بل جعل من المسرح منصة لصوت الحقيقة، ومن النصوص حناجر تُنشد الشرف والمروءة والحرية". لم يكن المسرح عنده للترف، بل للتغيير، ومخاطبة الضمير.

عُرف زهير المطيري أيضًا بموسوعيته وتوثيقه المخلص لمسيرته، كما في كتابه "مسرح الشرطة: تاريخ وإنجازات"، وكتابه "من مسرحياتي"، وأعماله التي تُعدّ أرشيفًا حيًّا لذاكرة المسرح العراقي في العقود الأخيرة. أعماله المسرحية مثل "ساعي البريد"، و"كلشي بالمكلوب"، و"أبو الشرف"، و"أحلام غريب" لم تكن نصوصًا عابرة، بل وجعًا عراقيًّا يتجدد، وصرخة في وجه التهميش والفساد والنسيان.

ولا يُمكن الحديث عن المطيري دون التوقف عند مساهماته في المسرح الحسيني، الذي كان من أوائل المؤسسين له في بابل والعراق، عبر أعمال مثل "سيد الساجدين" و"علي والكعبة"، حيث دمج بين الوعي الديني والطرح الفني في أسلوب يحترم الذائقة ويستنطق القيم.

وفي الإذاعة، كتب أعمالًا أثّرت في جمهور واسع، من "رسالة السماء" إلى "فندق الموت" و"العيون الخضر"، فيما امتدت رؤيته للتلفزيون بمسلسلات مثل "مواقف وعبر" و"زائر الفجر"، وحتى مشاركته كممثل في أعمال مثل "المتنبي" و"النبي أيوب".

ويكاد لا يخلو مهرجان مسرحي في بابل من بصمته، إذ ترأس وأشرف على مهرجانات مثل "ينابيع الشهادة"، وأسهم في مهرجانات بابل الثقافية، ومثّل العراق في ملتقيات كثيرة كضيف شرف ومشارك.

زهير المطيري هو أيضًا أبٌ للجيل المسرحي الجديد، وقد أخذ بيد الفنانين الشباب، مشرفًا على أعمال سينمائية مثل "لا تخبروا أنجيلينا" الذي أخرجه ابنه ذو الفقار المطيري، وحصد جوائز تقديرية.

ربما لم يلهث وراء الشهرة، لكنه حاز احترام النخب والجماهير، وكان من أوفى من خدم المسرح من خلال المؤسسات والروابط الثقافية، فترأس نقابة الفنانين في بابل، ورابطة المبدعين العراقيين، وفرع الاتحاد العام لحقوق الفنانين، وغيرها من الهيئات التي جعلها منابر للفن وليس واجهات شكلية.

في سيرته، يتجسد سؤال نادر: ما الذي يمكن أن تصنعه حياة تُعاش بالكامل من أجل الفن؟ وزهير المطيري هو الجواب الأجمل. هو رجل نحت اسمه بيده، لا بالرخام، بل على خشبة المسرح، في أعين الممثلين، وفي صمت المتفرجين بعد انتهاء العرض.

هو ليس فنانًا فحسب، بل ذاكرة. ذاكرة بابل، وذاكرة المسرح، وذاكرة الحرف حين يُضاء من الداخل.