هيام، زوجة خالد، هيّأت له حقيبة السفر بعناية، وضعت فيها أغلب حاجاته من ملابس وأدوات الحلاقة والعطر – رغم أنه يعاني من حساسية تجاه العطور – وأشياء أخرى، منها الدواء الذي لا يستغني عنه خوفًا من أن يُصاب بالزكام، كما قالت له.

ابتسم خالد لزوجته هيام بودّ وامتنان، وقال وهو يبادلها نظرة محبة:
ربما لا تعلمين يا هيام، أنني لست بحاجة إلى حقيبة السفر هذه المرة.

نظرت إليه باستغراب وقالت:
ولماذا؟

أجابها بهدوء:
أريد أن أكون حرّ اليدين والجسد، لا أريد أن أثقل نفسي بشيء.

تبدلت ملامح وجهها إلى حزنٍ ظاهر، وقالت بصوتٍ متهدّج:
لقد أعددتُ لك الحقيبة بكل حب، وأنت تقول إنك لا تريدها؟
تعلم كم يحزنني فراقك، فبعدك سيجعلني وحيدة، أنتظر عودتك كل يوم.

ربت خالد على يدها وقال بلطف:
لا تحزني، سأدبّر أمري هناك، وأشتري كل ما أحتاجه. فقط تذكريني كلما جاءت مناسبة فيها لنا ذكرى جميلة.

ركب خالد السيارة التي ستقلله إلى المطار.
وفي الطريق، سارحًا بأفكاره، عاد بذاكرته إلى أيام الطفولة.
تذكر صوت أمه وهي تقول:
خالد، انهض حتى تذهب إلى المدرسة، لقد وضعت كتبك ودفاترك في الحقيبة. لا تتأخر، وارجع إلى البيت مباشرة.

كان حينها في السابعة من عمره، يفتح عينيه بتثاقل، فالنعاس يملأ جفونه. لم يكن يحب المدرسة، لكنه كان يذهب خوفًا من والده.

رافقت حقيبة المدرسة خالد طيلة سنواته الدراسية؛ الابتدائية، ثم المتوسطة، فالثانوية، وحتى في الجامعة، ولكنها كانت تختلف قليلًا في شكلها ومحتواها فقط.

والآن، بعد كل تلك السنين، يغادر خالد بيته وبلده دون وداع، ولا يحمل معه حقيبة سفر كما اعتاد الناس.
لم يأخذ شيئًا من بيته أو بلده ليكون ذكرى تذكّره عند النسيان، كما يفعل البعض حين يحتفظون بصورةٍ لأهلهم، أو قبضةٍ من تراب الوطن، أو غصنٍ صغير من شجرةٍ أحبّوها.) ا

نبهه سائق السيارة الأجرة قائلًا:
أستاذ، لقد وصلنا إلى المطار.

شكره خالد ومدّ يده إلى محفظته ليدفع الأجرة، فوجد في جيبه كتابًا كان قد أخفاه عن زوجته، ليكون رفيقه في رحلته الطويلة... ا