المفتاح 21 / حمودي عبد محسن 

ان تفكير عدنان في النهاية ينصب على المفتاح المربوط إلى عنقه بخيط جلدي قوي. إنها متعته الوحيدة المتاحة له في عالمه كبيشمركة لتعطيه الأمل أن يذهب في يوم ما إلى بيته ، ويفتح قفل باب البيت  ويدخله كأي منتصر ، فالمفتاح عنده رمز الانتصار  وليس رمزا دينيا كما كان عند اليهود الربانيين الذي يمثل السلطة والقوة ، ولا كما عند الكاهنات الرومانيات اللواتي يحملنه بوصفهن حارسات المعابد ، أو الطرواديات اللواتي يحملنه على أكتافهن ، والآله أيضا يحمل مفتاح  وأشباح العالم السفلي أيضا يحملون مفاتيح ، وفي المسيحية يرمز إلى سلطة الكنيسة ، وفي الإسلام يحمله المسلمون أثناء المعارك ويعتقدون في حالة استشهادهم سيدخلون الجنة . وصل الأمر بعدنان أن العثور على أي مفتاح يأخذه ويحتفظ به في ( عليجته ) وأخذ يربطها بسلك حديدي فصارت عنده كومة من المفاتيح .. صغيرة و كبيرة مائلة ومستقيمة رغم كونها صدئة وقديمة ، إلا أن مفتاحه حرص عليه أن لا يصدأ ، فكان كلما نظف بندقيته ينظف مفتاحه ، وهو مفتاح كبير يشبه مفاتيح عرب الأندلس الذي تركوا بيوتهم مقفولة  ولم يحتفظوا سوى بالمفاتيح آملين العودة إليها  بعد ستة قرون من الحكم ، كان عدنان يكرر : يا لتعاسة التاريخ  …ستة قرون … ستة قرون …لا …لا …الدكتاتور زائل لا محال …وكان أكثر ثقة بنفسه  وهو يردد : أعتقد أن الدكتاتور سيسلم مفاتيح القصر الجمهوري فلدينا مفاتيح كثيرة لنجربها إذا هرب .

ليس صدفة أن يجعل عدنان المفتاح يتدلى على صدره ، وتلامسه أنامله المرتجفة  ويخاطبه بلغة سرية ، قد تكون فوضوية فهذا لا يقل غموضا ردحا من الزمن خليط من التحليلات موضحة بأمثلة عن التنوع مع عدد لا يحصى من المفاتيح بالرغم من تباينها  الهائل تتكون من عنصر الحديد ، وهو يفتخر عندما يعلن بأن (عليجته) تحتوي على أشكال متنوعة من المفاتيح وافتخاره كأول رد فعل ، فالمفتاح كنز عدنان الخاص ، وأحيانا يرمي في مهاوي الفراغ مفتاحا وهو يرد : (هذا مفتاح خادع ) . تحول أمله المفرط بالمفاتيح  الى كآبة مفرطة تنتابه نتيجة الأسى عن عمر الدكتاتورية الطويل ، فهو مدفوع بهوس بالمفتاح ويكرر : أنه لن يبدد سنواته هراء …ليؤكد ويدحض كل رأي يمتزج بالهذيان التي لها نسلها ولغتها  ودلالتها ، أن الاعتقاد بالأمر النهائي للدكتاتور يثير النعيم بالنفوس ويرج العواطف والتي تتناسب مع المنطق  فيثير المسرة بهذا الأمل الرفيع : يسقط الدكتاتور … 

الزمن يجري في النهار ومنتصف الليل ولا توجد أبدية في الحكم، إن الدكتاتور خائف من سرعة زواله  وقد ابتكر أن يكتب أسمه في آثار بابل ، وهو لا يمكن الانعتاق من هذه المعادلة ، والزمن هبة أبدية ، وكل شيء في تعاقب ، أنفسنا تشتعل على الدوام ، لأننا نريد أن نجرب مفاتيح بيوتنا ، متى يتم ذلك  ؟ عزيمتنا لا تتثبط ، مثل زهور الياسمين ، بيضاء ، ونهاية الدكتاتور تختلف عن أبو عبد الله الصغير حينما سلم مفاتيح الأندلس لفروديناد وايزابيلا… وأمه تقول :

ابك مثل النساء ملكا مضاعا      لم تحافظ عليه مثل الرجال 

المذكرات

 

وقفت في شرفتي في بداية خريف جذاب ، ليمكنني التعرف على نفسي وأتعرف على الخبرة الجمالية وانموذجها والذي أكتب عنه تحت عنوان ( صفحات من دفتر  ذكريات بيسشمركة ) الذي يحتاج إلى فهم في وقفتي الجامدة في حقيقتها ، ومع ذلك لم يعر أحد من المارة انتباها لي ، وها قد بدأ في ذهني انشغال من نوع آخر ـ التأمل الجمالي ـ فكنت أرى عدة نماذج تتواصل وتتداخل في أشكال لحظة بعد لحظة بطريقة واضحة ـ إيماءات  هادئة وأصوات ناعمة ـ أجل ، مستغرق في يقظة أحلام وقد أثارتني الشجرة التي تواجهني التي تفوح منها رائحة الخريف ، هذا ما كنت واعيا إليه ، حاولت أن أجد شيئا في الشجرة فلم أجد سوى رعشة أغصانها ، وكانت الغيوم قد غطت السماء ورذاذ المطر يتساقط على وجهي ، وطيور الليل تعود إلى أعشاشها ، ولم تمض لحظات حتى تلفعت السماء بالظلام ، وأنا أستقبل أولى زخات الخريف بينما رائحة الأرض التي تحتوي على أوراق الخريف الصفر وهذا ما أقلقني كما قال الفلاسفة القدامى : ( ها قد منحت الآله على عتبة البيت القديم ، وفي الأزمنة الأقدم فليدخلها من دون خوف ) . كانت نظرتي خارجة عن نفسي ليكون موضوعها خصبا من خلال التعرف على التاريخ الذي منه تصنع المذكرات سواء كانت تدور حول ملك أم أمير ام بطل ما التي يطلق عليها الشهادة الفردية، أو حدثا اجتماعيا  تتناول قضية شعب أو فئة منه يطلق عليها الأحداث الاجتماعية ، فهناك بلدان تفتقد إلى مثل هذه المذكرات تشكو زمانها بلا مذكرات ، فمفهوم المذكرات هي قصص حياة أو شهادة لأحداث يتطلب فكرا متطورا ومنظورا عن تجربة متنامية يطلق عليها بالوعي الاجتماعي .

ارتعدت من البرد  فدخلت غرفتي بعد أن أصبحت الظلمة سيدة السماء ، وهناك خيط أحمر في الاعالي أخذ يخمد وصرت أراقب اختفائه وكيفية ابتلاع الظلمة له ببطء في لحظات الألم : ( امسك الصخرة الكردية ) هذا ما كنت أردده بفرح جليل، إنها صلبة وقوية تجبلت بالعرق والدم والدموع ، فالصخرة دائما صلبة وقوية ، تسلقتها لاهثا نحو عظمتها ووقفت عليها وأخذت أصرخ ما يزال يراودني القلق وكان صدى الوادي وهو ينعم بالهدوء والامتنان ، صدى ( قلبي قلق)…أجل ركضت في الجبال الموحشة  وفي انحدارها وبين الممرات الضيقة والقلق لم يذوب .. يلاحقني، امسك الصخرة الصلبة القوية واضغطها ..  إنها قوية لا تناسبنا الآن  لذلك هجرنا الحياة اليومية العادية و أعلنا حبنا للخالدين ، آه ..  أيتها الصخرة الكردية من يعتصرك من الناس في الجبال المجدبة ؟  البيشمركة يضغط ويسير :  (وداعا )…أمامك مسيرة طويلة ، يتسلقك البيشمركة ويصل القمة ، فالبيد يمسك العشب كما لو يمسك يد حميم غال ، ويرتقي الجبل مع رفاق النضال في مواكب ليصلوا القمة ويصرخون ويصرون بأسنانهم  ويهزون رؤوسهم بغير أقنعة ، إنها الذروة  والخلود والتوحد المتناسب  والأمل والجمال  والعاطفة  والبسالة ، إنهم يقاتلون ليصلوا إلى الذروة ، فينطلقون في مواكب عظيمة لتسجيل المذكرات وظل البيشمركة وحيدا يسجلها : عمليات عسكرية ، هجوم ، مظاهرات ، انتفاضات ، وحيد في الذروة ويتنقل بين الجبال وهو يرهف روحه في تسجيل المذكرات التي لها ثقلها وطاقتها الجبارة وفي لحظات اللهب يمسك بالصخرة الكردستانية ويضغطها بفرح جليل ، أي كفاح هذا بين الصخور مجبله بالعرق والدم ، فالصخرة صلبة دائما و تصرخ : إلى اللقاء في لحظة سكون تنعم بالهدوء والامتنان  والقلب يخفق صارخا :

-   قلبي ما يزال يخفق في الصدر .

-   قليلا من الصخور تبقى معي .

-   قلبي يقاوم .

-   قلبي يتسلق لاهثا ذروة الجبل .

لم يتكلم البيشمركة ، وكان كل منهم يحدق في الآخر ، فكتابة المذكرات التي لها قواعد وطبع خاص  تخطت حدود الزمن ودخلت ملفعة ببهاء الغيوم  وبالعواصف الثلجية … بعد تأمل لحظة الصمت ، تفكروا : أي فعل تعطيها المذكرات للأجيال خارج الظلمة والأشباح المخيفة والأجساد الخارجة من اللهب والأصوات المرتجفة  .. ماذا تعطيهم ؟ إلا أن البيشمركة لم يتكلم  فقط هز رأسه وابتسم وهو ينظر إلى القرى المدمرة المحروقة … ها هو قد هتف : التحرر من الظلم … وهذا ما كان يفهمه ، وهو يتخطى الطبيعة ، وإن عينيه في دهشتهما ، وصوته يرتجف ، وهذا ما يستحق الكفاح ، يستحق أن يكون هادئا باسما مكتشفا السر العظيم : التحرر من الدكتاتورية.

ازاد وشيرين

كان ازاد مشدودا إلى قلبه ، وأفكاره تجول حول عالمه كراع في السادسة عشرة من عمره وهي تجد طريقها إلى عرش الكلمات ، يقطف الزمن من عواطفه الأليفة في تعويذة الغروب المتكتل بالغيوم وهي تشترك مع صوته وصفيره نحو الماعز كي لا يحيد عن الطريق ، نازلا إلى القرية حيث الأشجار الخضراء تهزها ريح خفيفة . رفع ازاد رأسه  لينظر إلى السماء  ما لبث أن تمتم مع نفسه :

-   إنها ستمطر…

إنه مضطرما وحزينا وغائما ، يحلم في ذات الوقت بصورة مختلطة بالحب وبرغبته في الحياة مع مرارة منعكسة في محيط قريته ، فأفكاره تحمل الشجن واليأس ، هل هو الغموض والندم  ؟ أم إثارة جذابة بقدرة جاذبية الحياة التي تبدو عموما أكثر شجنا  ؟ أو طموحات مكبوتة بصورة مظلمة بلا جدوى أمام الغضب  والانتقام والغموض ؟  فقد تملكته الشجاعة في مرة ما أن يدخل عالم الحب ، متوجا إياه بالسعادة كمصباح يلغي التعاسة . لا يريد أن يترك السفح بعد مهابة تركتها حمرة الغروب بلطف ، كان يراقب دقات المطر فوق الصخور ، فارتدى معطفه وهو يصيح بالماعز : دع .. دع .. دع ، كان الماعز يسير بطريقه إلى القرية ، أما ئازاد فجعل نفسه رائيا لكل حواسه ولكل أشكال الحب ، وهو مهوس به يبحث في نفسه  عن الكلمات ويستنفذها ويحتفظ بها ، ويدرك المجهول في رؤاه ، كان قد رآها واثبة خارقة بعنوان …حبيبتي …وقد اكتشف لغتها واكتشف أشياء غريبة عن الحب  ستتبناها حبيبته ، ستفهمها من استنتاج النموذج الذي تحب في التضحية والتمنيات الخارقة لانعطاف ذهني وفردي يستوعب اللون و كثافة الصوت الشفاف والعمق المدوي في القرية … وها قد حانت اللحظة عندما أدخل الماعز إلى الزريبة حيث احتشدن بنات القرية وحلبن المعزة  أما هي فلم تأت ، ربما تأخرت لسبب ما ، كان ينتزع ظله وتسقط النجوم عليه بعد أن ظهرت في السماء وتمزق صبره وفرت عيناه نحو قلبه ، أراد احتشام النجوم حتى آخر نجمة وعيناه الصغيرتان تلمعان فيهما الدموع . أراد أن يزين يدها بقصيدته حيث يمتزج أريجها برائحة الزهور النادرة كما لو أن الكلمات صقلتها السنون بصمت وخشوع ، كل شئ يحدث سرا في لغة مسقط رأسيهما ، فصار العالم يعيش في ضوء أول نجمة ظهرت في السماء وهما يتجنبان الوشاية …شقاء كبير هذا السر من عجزهما على تحدي العادات والتقاليد …وأخيرا ظهرت مهيمنة عليه وهي تتألق بالشوق إليه في صفاء رحيب كنجمة لا تجاريها النجوم ، لا مفر منها وهي تتهادى في البعيد الزمني .. ترتضيه .. غارقة بالدموع كدفقة تتسامى وانطلاقة حزينة على طيف يتلوى ، وقد توالت هدهدات لمس ناعمة .أخذ بيدها ، ووضع الأوراق فيها بنفاد صبر يدنو ، وارتخاء يتردد ، غافلا في انطلاقة النظر إليها من أعماقه ، وأنفاسه المقتربة من شفتيها ، لم تمض برهة من الوقت ، حتى قالت بتردد ، وبصوت خافت خجول :

-   سوف لن نلتقي …

-   لا …

وتراجع إلى الوراء ضاما وجهه بيديه محشوا بين الماعز ، محجوبا بألف برقع ، وغدا مطلع الربيع المهيب طلسما في القرية ، انتابته رعشة محكمة الاحتفال بالحزن ، فقطرت عيناه دمعا وهو يكرر كلمة (لا) . لا يريد أن يروح الحنان الذي يمتلك الأرض في مهجة  قدوم الربيع ، ولم تظل يده نائمة في يدها بخدر ترتعش بهدوء مع ظهور نجوم مزركشة السماء ، واقتربت اليدان ... يدان تنغلقان في الدوار المنهزم الذي تختلج فيه النجوم  والنسيم المضطرب ، أصبح ازاد تائها في الذاكرة عندما سحبت يدها وجلست تحلب المعزة وهو في زاوية الزريبة مشؤوما مثل شيخ محزون …انتهت من عملية الحلب وعجلت الرواح ...  ماذا أفعل أيتها الودودة ؟ هذا ما تنغم به كأنه يناجي الحياة والموت ..  بقي صامتا  ينظر إليها في مكان فريد ، غارق في الضباب كان ينبض ألما ، وراح يعترف لنفسه أنه لا يستطيع كبح جموحه إزائها وأنه لا يستأهل بدونها ، فكل سروره فيها ، إنها عجيبة .. طريفة صار يتكيف في وقفته وتموجات أحلامه ، والذهن يستبد به في كل الإيحاءات المحزنة  لكنه كان يخشى الانفصال ، لعلها سمعت بالوشاية  ونتائجها وخيمت عليهما ، يجب أن لا ينكشف أمرهما ، ألم يحاول أن تكون اللقاءات سرية ؟ أجل .. وهو ينظر إليها بدهشة حتى أدرك كم هي مريحة ! لكن الحزن يبدو قد تسلط عليه ، فأقنع نفسه أنه سوف يلتقيها غدا .. وأحس بذاته في غابة مظلمة غامضة ، ذلك الامر يذله ويجهده ، إذ ليس هناك شئ أعظم من الحب وهذا  ما أثبتته اللقاءات المتكررة .

لمح امرأة مقبلة فتصنع في وقفته ، لقد كانت أم زوجها فعرف أن في الأمر خطورة ، ثم غادرتا سوية ، أما هو فغلق باب الزريبة ووقف يودعها بعينيه الدامعتين ، يبحث عن حل مـتأملا منفردا بنفسه ، أن يحرم من الحب المنغلق على نفسه محجوز في أشكال بؤسه ، لم يكن يفهم أن الحب شئ صغير ومحدود .. بل أكبر وأفسح وأرفع من الوشاية وهو يعرف بلا شك أنها تحبه .. لقد كان الحب مضطربا وعفيفا ، يجتنيه الصمت والخشوع والتأمل والشقاء الكبير وهو يردد مع نفسه :

-   أنها ستأتي لا محال …

وهو يستعيد قصة الحب : ذات يوم كانت شيرين ذات الأعوام الثلاثين والمتزوجة من فلاح في القرية ولها ثلاثة أولاد ، منحنية تجمع نباتات برية من الرشاد والخباز والكراث  والريواز  والكعوب والبابنج ، وإذا بها فجأة تنظر وجه لوجه في ئازاد في وقت بعد الظهر بالضبط ، فالتقت عيناهما وأبدى ئازاد لطفا معها وشعر بارتياح في  نفسه ، وخارجها بفرح شديد يا لها من سعادة أن يلتقيها فقال بصوت خافت :

-   ماذا تجمعين ؟

-   ثمار برية …

-   آه ، إنها لذيذة …

-    وأنت ، ماذا تفعل هنا ؟

-   أرعى الماشية …

-   أعرف ، كيف تتركها لوحدها ؟

-   كلبي يحرسها…

-   اذهب إلى ماشيتك …

-   أجل أنا ذاهب …

فخطا باتجاهها خطوات بطيئة وجريئة بعد أن حدق في أعماق عينيها الرائعتين ، ثم إثر حركة مفاجئة سريعة كلمح البصر طبع قبلة على وجنتها وهرب يقفز فرحا بين الصخور ويرقص فوق الأعشاب . ارتعبت هي وأحمر وجهها  وهي تتابع حركته ثم ابتسمت كأن ألوانا حطت على وجهها لامعة وضمتها بشكل غريب حنونة ودمثة ، كأن نور حي برز من شفتيها حين حركتهما بخفوت :

-   أنه جريء …

كانت وقفتها لا حد لها وهي متعجبة تسكب النور والسعادة ، لقد عرفت أنه يحبها وقالت في نفسها :

-   سألتقيه في الزريبة…

فصارت تهيم فيه وهو يغازلها كلما جاءت إلى الزريبة لتحلب المعزة ، كان يلتقيها باستمرار لذلك صارت تأتي في وقت متأخر إلى الزريبة وهو يمسك يدها  ويقول :

-   يدك ناعمة …

كانت تجيب بلا تردد وبصوت فاتن :

- وأنت كذلك …

فكان يفكر بها  فقد شغفته حبا وعطر روحه بعينيها ، يفكر بها أثناء الليل أو النهار و أثناء سقوط المطر أو الثلج ، وقد استمرت هي ذاتها مهيبة  تنظر إليه باهتمام شديد وتمزقها الرغبة أن تراه وتتحرق إلى لقائه حيث يتلألأ الغيب بخفاء في عينيها ، تشعر بأوزار الزمن الفظيع الذي يرهق كاهلها بجلاء رحب  جليل ، وقد فتنت به ..  فتنت به عيناها الواسعتان الرائعتان كحلم أبدي أخرس ، وهي لم تبال بماذا سيحدث لها فهي دائما تنظر إليه وجها لوجه خفية مثل آهة مبهجة متذوقة الحب …

ذات يوم دخلت مفرزتنا القرية وكانت القرية حزينة ونحن نبحث عما في عيون أهل القرية ، ذلك جدير حقا أن نعرف رغم الصمت الهائل فيها ، أنها نهايات 1982 فقد أنفضح أمرهما فقتلها زوجها وجاء إلى الأخ  الأكبر لئازاد وأخبره بالأمر ، فأما أن يقتل أخاه الصغير ئازاد أو تندلع حرب يبن العشيرتين فقام هذا وقتل ئازاد ، لم أتحمل روع القصة فطلبت من أحد البيشمركة أن يرافقني إلى المقبرة فوجدنا القبرين متقاربين يفصل بينهما حقل النرجس ، فقال صاحبي بصوت خافت :

-   لقد تأخرنا …

وهذا ما جعل أفراد المفرزة في غضب شديد وأن تجمع قيادة المفرزة أهل القرية في بيت المختار ولعنوا الثأر والقتل  فلم يتحدث أحد من أهل القرية وذهبوا إلى بيوتهم صامتين.

 

 

 

 

عند قمم الجبال .. قراءة في دفتر ذكريات بيشمركة صارت ألوانها أشبه بإخطبوط يلفني بأذرعه ويهيمن علي اذ انها تتحد معي اتحادا لا انفصام منه وانفتح أمامي عالم جديد صار يترك أثره على كفاحي في المسيرة الطويلة 

 عند قمم الجبال حمودي عبد محسن  /  4

أسطورة الكاو

بزغت ليلا نجوم ، وبدور

ومن مدخل بيته رأى نجمات أولى

قديمة…

طالعة فوق الوادي العميق

رأى أنوارا متناثرة

ظلالا في أبراج

أحس أن النهر في الوادي

سحر سري فضي

كان يميز لونه عن بقية الألوان

يغطيه عطر الزهر

رائحة الأشجار وعقاقير النبات

والأوراق الرطبة الندية

تقطر ندى

في بداية كل مساء

وهو يخرج من بيته

ويرى : ظلال خطوات

مشتهاة تبشر بمجيء الليل

وانحدار جليل في الألوان

 في تلك اللحظة يكون الضوء قد دق الوادي  ويكون الكاو قد تهيأ للغناء

صادفته في الرؤية :

نجمة مجهول تشبه السماء

تثير أعماقه

وتشغف عيونه بدمعة رقيقة

صوته جميل في كل مساء

هادئ ، وناضج

وناعم مثل سطوع النجوم

يغدو لطيفا

في مجد الأضواء والسكون

في مجد اللون الأزرق الخفيف

ما أجمل هذا المساء !

يتفتح الوادي إلى امتدادات بعيدة  صوته جميل في كل مساء

يهز سيقان ورود خالدة

لم تغن الورود

إنها تنتمي للوادي

وصخب نهره الصافي اللامع

إنها تنبعث من دقيق حافاته الصخرية

المتعالية ، المنحدرة في سواد الليل

دائما الورود لم تغن

وهو يتحرق شوقا إليها ،

إنها بعيدة المنال

يخلد صوته المألوف

في رقص سيقانها

وفي الوادي بيت وحيد

معزول

بيت من حجر وطين

بابه مفتوح كل مساء

في هذه الليلة القمر مضيء

في متاهة النجوم

كم هو مفرح أن تكون الليلة مضيئة !

حيث الحنان والصداقة تلفان الوجود

حيث البيت شيء مألوف

في كل صباح يخرج صاحبه

ويعيد تشييد مزرعته

سكون عميق ، وشدو الكاو

في أروع روعته

وفي الأرض مسك يفوح

وعطر زهر

أراد الكاو نشيدا أوحدا

يستنطق صدى صيحته

من جانب الوادي

رجعا على البيت يفيض

يعتاد ترديده في كل صباح

والشمس ناشرة أشعتها الحمراء

والكاو يردد إنشاد اللطف

في كل صبح بالنسيم عابق

وفي عز النهار صورة لطفولة

في البيت الذي لا يعرف التواريخ

تطأ خطوات طفل

الأفق بعيد

ذكريات صوت الأجداد

تصيبه بالذهول

تلك شاهدة قبر

اندهاش لمعجزة السنين

شئ ثابت لا يحتاج إلى بحث

ذكريات معتادة ، متكررة

العشب ينمو ، يعلو

مشيدا سياجا ابتدعه لوحده

الطفل يلامسه بيديه الصغيرتين

يداعبها مع تبدد الغروب

القمر يدنو في الليل من جديد

ليس شيئا غريبا هذا

أن يغني الكاو إلى بيت الطين

إلى النار في الموقد

إلى خبز الصباح

إلى لغز الوادي

إلى الحلم الأخير

إلى شاهدة القبر

إلى رمز الوجود

ينفد صوته في روح المخلوقات

آه ،وا أسفاه ، قنابل الدكتاتور تدمر البيت

تحطم الأشياء ، وتذوب

الكاو يغادر بيته

ذكريات لا تنسى

لن يرى الطفل

لن يرى البيت

لن يرى أحدا  لمن يغني بعد الآن ؟!

وأن يمنح نفسه الكلمات

ظل الكاو ينتظر بلا طائل

فقد تحية الوداع الأخيرة

وكف عن الغناء

 أصداء الربيع

بالنسبة له كبيشمركة كانت روحه تهفو حية متقدة مرفرفة نحو الأرض المزدهرة في دأب مماثل وانكفاء على الربيع ، اكتشاف سحر الأرض  وألقها  ورونقها وسخاءها وكان ذلك في الأيام الأولى من الربيع ، كأن بقية الأيام جسر للحياة فقط فيها الانتظار والترقب كي تؤدي إلى الربيع حيث صفوة الأشجار فيها شرايين تتدفق ببراعمها منساقة بطيب معطاء فتخفق روحه وتهب له حبا  وإعجابا بأنغام المياه الوارد من الشلالات أو من السماء ، ها هو ذا تراه قابعا مع الطبيعة أينما استقرت المفرزة وهي تعبق بالألفة الفريدة ، بينما هو راحت تجثو على صدره نكهة تفتح برعم ، فيهفو إليها ويحدق فيها منجذبا مسحورا فينتشر على وجهه اللطف وتغالب شفتيه ابتسامة عذبة ، متموجة في عينيه الصافيتين ، فتضمان وجهه تلك الابتسامة المتألقة بين شفتيه ، وعندما تداعب أنامله البراعم يحسبها كانتقال اللؤلؤ بينها  ، خاصة المتفتحة منها ، ويرن سقوط المطر خفيفا منسابا كالخطى ليتفتح فردوس الربيع أمامه  يلتئم مع عقد الندى ، وتشرأب روحه  التي تتحلق بالرؤيا من عينيه ثم تنسحب نظرته على الجبال الشاهقة ، حيث تطل منها طيور ساجعة مغردة وهو في صمت ذكريات كل ربيع ، لا تكون الارض خالية من الحزن حالما يتذكر أنه ودع بيشمركة فيها ، تتقطر فوق مشاهده سحائب بيضاء وترمق عيناه الشاخصتان الذاهلتان أطيافه الحبيبة ، فيتمتم ألفاظا منبعثة من صدره كأنه يحمل روحه في روحه ، ثم ينحت الكلمات على جذوع الأشجار الندية ، وتتبدى نظرته إلى الأفق البعيد ، مرحة ، هفهافة ، إنها نظرة شفافة طاهرة مسربلة بالطيف ، ويلاحق فراشة صغيرة بديعة الألوان ، ويتردد صوته دافئا ناعما : أنني قبضت عليها ، فيمسكها من جناحيها وينظر إليها كأنه يفتش في أسرارها منزلقا إلى عينيها وخفة جناحيها وترتسم في عينيه كامل صورتها ثم يطلقها في الفضاء ، ويطارد أخرى  منزلقا قرب جدول ماء كل شيء فيه متناسق ومتآلف ، توهم عينيه بظلال سمكة مرت سريعا ، وتحاول قدمه أن تنزلق في الماء ، وروحه تتناغم مع فراشة جديدة قبض عليها بطريقة تناغم يديه اللتين لا تؤذيا الفراشة ، وهو يردد إيقاعا مناسبا مع خرير الجدول  تناغم بإيقاع مشترك . ان الربيع بلونه ومطره يعزف موسيقى متناسقة مع روحه وحركة جسده فيمثل متسقا ملونا بنبرات صوته ، وكلمات ملحنة تنبعث من أعماقه : الربيع جميل في كوردستان ...  هذا النزق الرشيق يجعله مبتعدا عن مكان استراحة البيشمركة ، فيتفق لقدميه أن تتحركا ويديه تصفقان في ظل مرن أخضر فتتفجر في ذاكرته فكرة معينة تتجاوب مع الطبيعة ، وها هو يرمق الكاو أو بلابل  نافرة  فيقف هنيهة  ليلقي عليه نظرة ناعسة ثم تهبط نظرته إلى حركة الكاو وانتقاله من غصن إلى آخر ، ويسمح لقدميه أن تغوصا في ماء الجدول البارد الصافي فينتشي كامل جسده ، ثم تضطجع قدماه على الضفة وهو راض مستكين ، فالماء بارد ينشط جسده  وهو يستجدي أن يمسك الكاو ويداعب ريشه ، ترى أي تآلف معاش بين هذا البيشمركة وأوائل أيام الربيع ، تجتذبه صفوة خضراء  مختارة من عشق البراعم مرتشفا نظرة يفيق قلبه إليها ، وغالبا ما تتمخض عيناه بالدموع منذئذ تهادي إليه خبر استشهاد بيشمركة ، فيبتعد عن المفرزة  ويمارس طقوسه مع هياكل الربيع  وصوره الخلابة  وأنغامه الشجية ، ، وفي الفجر له عالم مهتز هو سفح الجبل ، فله ألحان عفوية شفافة متألقة ، أما الصباح فهو بوهج مغموس بالنشوة حيث تغمس أحاسيسه لذة الشمس الكامنة خلف الجبل ، و يزجي سمعه إلى أنغام زجلة ناعمة تسري نغمتها في عروقه  تختفي وتظهر  ليتفجر جوهرها في معنى الصباح  الذي أستشرفه ليتذوق نشوة تنقلها الطيور والألوان والروائح العطرة ، لقد وهب هذا البيشمركة حياته كلها للنضال ضد الدكتاتورية موطئا قلبه لجمال كردستان ، فالجمال له تعبير آخر غزير العطاء ، يستل أرق العواطف عمقا وتدفقا  واستصفاءً ، تجعل هذه العاطفة متعلقة به حبا أبيض يخشى المرء أن يفارقه ، وهاهو يرتبط بالربيع أكثر جمالا وقيمة حيث يجمعه المعنى والتناسق ، والرونق والمجد ، كأنه خرج من برعم كردستان  يتفطر حلاوة وشجونا ، وتتشقق ألوانا من متعة الترنم  تنور ألف فهم وتفسير، وكثير من العطر المصفى في أجواء الطبيعة منذ بواكيره الأولى ناضج موهوب يحيا في أفق جديد ، ينسرح نظره إلى الطبيعة مشغوفا بها  ، ومنذ طفولته وجد فيها نغما خفيا تسلل إلى روحه وهز كيانه  فسرح إليها منذ أن بزغت نظراته على نبع سخي ونقي ، وزوق صدره بها وتعلق قلبه بأزاهير متفتحة صامتة صابرة ممدودا ظله عليها في أصداء الربيع…

الذاكرة الحية

انا الآن في الهزيع الأخير من الليل حيث يعتصرني الألم بكفه ولم أعد بحاجة إلى كف آخر حيث يكفيني هذا الألم لأكافحه ، الذي ينتابني من حين إلى حين مثلما هو الآن ويأخذني وميض غريب وهو يفززني من انهماكي في الكتابة عن كوردستان و يجعلني على يقين تام ودائم باستحالة نسيان الأحداث التي مرت بي ، إنها الذاكرة الحية  التي تشعرني بإحساس لن يتلاشى عن مشاعري ، فمشاعري صادقة وفي غاية الكمال وخوفي أن لا تسجل الذاكرة الحية كل الأحداث أو  خشيتي من نفسي أن لا أستكملها ، وأنا أبدأ من حين إلى آخر في تسجيل السطور التي تغمرني بسعادة كبيرة  حتى ولو كتبت سطورا قليلة مجتهدا في تدوين الكثير منها ،  فأنظر إلى الوميض الخافت للمصباح الموضوع على الطاولة والأوراق المبعثرة عليها  إذ يأخذني التدقيق في سكون  منحنيا على الأوراق ، وفي بعض الأحيان يحملني الخواء لعالمي  فأبحث عن شيء يمنحني الدفء والتآلف .. وقليلا ..قليلا  أجده في رنين التليفون ، كما يبدو لي أني أتنفس عالمي بصعوبة وأقرأ ما كتبته بصعوبة أيضا ، فأحول نظري إلى نافذتي التي تقع بجوار طاولتي واستمع إلى قطرات المطر التي تطرق نافذتي والتي تتشرب منها الأشجار والأرض ، ثم أزيح رأسي عن الأوراق بعد لحظات السعادة التي تملكتني حين أنجز شيئا من صفحات من دفتر ذكريات بيشمركة ، فتأخذني زخات المطر إلى الذاكرة الحية من ظلال كردستان ... الظلال لا تصمت ، وتسمعني ترنيمة رقيقة شاردة بلا ضجيج ، وتعطيني أملا أن الكاو يثرثر في منامه في مثل هذا الوقت ، فأقف قرب نافذتي ملتزما الصمت  أتفكر بالماضي ، وهذا شيء مألوف بالنسبة لي  نابع من لحظتي .. شئ عجيب هذا الحنان الذي يتفجر في الأعماق .. عندئذ تأتيني الذكريات التي أصبحت ذروة في تراث التعبير المنشود ، أجل ..  أتوقف قرب نافذتي ..لا شيء سوى أني أتوقف برهة من الزمن توقظ في داخلي الذكريات ، أحاول أن أستعيد عافيتي في الكتابة وأحاول أن أطمئن نفسي على أنني أستطيع المواصلة في الكتابة ، أنني أكتب بعد قليل وتتراءى لي وجوه في وميض الخلود .. عايد ، حكمت ، أبو رستم  أبو علي النجار ...  ابتسامات أبدية في علو السماء الزرقاء الصافية  بل تظهر فيها أربعة نجوم ساطعة على تجربتنا التحررية من الدكتاتورية ، فكانت أعماقي ترتعش من فرط الذكرى ومن فرط الضيق فأنهم لم يشهدوا التحرر من الدكتاتورية ولا يمكنني أن أحدثهم ، فجاءتني القدرة على تحمل ذلك بمفردي حيث لا شيء سوى الأرق يأخذني على مشارف الكتابة  التي تكاد تنتهي ، لن أحتمل ذلك بمفردي ربما - الانتهاء من النص يمنحني الإشارة للنوم -  كل شئ يبعث على التفكير حتى ذكرياتي ، أمسك بالحدث .. آه من تلك الليلة التي انزلقت علينا وجبلتنا بالدم  والمقاومة ونحن نتلمس عظمة الدم  والمقاومة ، حينئذ أتذكرها فأمسك بقطرة الدم .. بالعشب ..  بالحجر وأتابع جوهر الخلود ، وأنا أرى وجوه قدسية تسمو هناك قد أدت واجبها الوطني فأعزي نفسي فاجعل العزاء ينسجم مع الذاكرة الحية ، فالمطر ينهمر خارج نافذتي وأنا ألقي نظرة على ضوء المصباح الخافت بينما عيناي تتأرجحان فوق الأوراق وتستقران في تاريخ 19| 2 |1982 ، فقبل هذا التاريخ بأيام كنا نتنقل في سهل الموصل وقد بلغ عددنا الستين مقاتل حيث كنا نختفي في النهار ونظهر في الليل ونستطلع مواقع الجيش ونخطط للعمليات العسكرية  فكنا نتحرك بحذر ، فشاءت الأقدار أن نقضي هذه الليلة في قرية ( سينا ) القريبة من قرية ( شيخ خدر ) التي لا تفصلها عنها إلا مدرسة القرية  التي تقع في أطرافها ، ويحدها من الخلف جبل دهوك الوعر الأجدر  ويواجهها سهل واسع ينتهي في جبل القوش ..  وقضينا الليلة في المدرسة بعد أن وضعنا كمينا على الشارع الترابي الذي يؤدي إلى شارع دهوك - الموصل  وحارسين قرب باب المدرسة.

وفي الليل استطاع جيش من المغاوير الذي جلب من الجبهة بغية الانتقام منا نتيجة لكثرة العمليات التي قمنا بها خلال تلك الفترة ، التسلل وتطويق القرية بنشر قواته في الجبل وكمائنه في السهل وقد لاحظ الحرس أبو علي حركة غير عادية باتجاه المدرسة وهي مجموع من الجنود فأطلق النار عليهم ثم تبعه حكمت مسرعا وأطلق قذيفة آر بي جي  فجرح في بطنه وحدثت معركة قرب المدرسة ، ثم قررنا الانسحاب وبقي أبو رستم وعايد مع الجريح في حين ذهب أبو علي لجلب  ( بغل ) لسحب الجريح ، وأثناء انسحابهم وقعوا في كمين للجيش استشهد على أثرها عايد وحكمت  واستطاع أبو علي  وأبو رستم الانسحاب بعد معركة مع الكمين ووقعت جثتي الشهيدين في يد العدو ، في حين قتل من العدو ثمانية جنود وضابط ، وهكذا تمر أيام الكفاح وتستمر بطولات أبو علي النجار وأبو رستم فيستشهد أبو رستم في سهل نهلة  في معركة ضد الجحوش بعد أن أنقذ رفاقه حيث غطى انسحابهم بعد أن جرح وقاوم إلى أن نفد عتاده فأطلق النار على نفسه ،  ويستشهد أبو علي في معركة ضد الجحوش في باعذرة ، ربما انتهت الذاكرة الحية بعد العناء المشترك الذي سأعانيه في النوم غير المستقر لذلك  أشفق على نفسي في جدال مع الألم  وأنا بودي اطلاق صرخة قوية من داخلي: النجوم الأربع الساطعة لم تر التحرر من الدكتاتورية.