الشهيد ملازم جواد / سلام العبلي
رجل الدعابة والشجاعة
يوم التقيت به في عدن أثناء الدراسة في الكلية العسكرية، كان اسمه الحركي (غانم).. وعندما سألته لماذا اختار هذا الاسم.. أجابني لأن أمي عند الوداع، تمنت أن ارجع لها سالما غانما.. كان مرحا يخلق الطرفة كي يسخر من الصعاب، يمتلك الدعابة في أكثر المواقف حراجة وخطورة ..على ضفاف دجلة ونحن ننفخ الإطارات البلاستيكية لكي نعد منها(ألكلك) تعطل المنفاخ، مما اضطرنا إلى نفخها بأفواهنا .. حينها حذرني من رجوع الهواء إلى جوفي لكي لا أتحول إلى إطار، لم اسمعْ منه كلمة تنم عن الضجر طوال مسيرتنا من القامشلي إلى بشتآشان.. فقد حمل رشاش العفاروف مع مخازن عتاده وكذلك حمل بندقية كلاشنكوف وعتادها إضافة إلى مستلزمات أخرى، وأثناء المسير ساعد الكثير من الرفاق بحمل أثقالهم..
في أول قاعدة في بهدينان اشترك في التصدي للاجتياح التركي للأراضي العراقية وكان احد ابطال تلك الملحمة.. حتى انه اضطر لحمل رشاش الدوشكا على كتفه ولوحده أثناء الانسحاب.. معركته الثانية كانت في بشتآشان وهى الأخيرة.. وقد استشهد في عملية هجوم على إحدى القمم لتخليصها من قوات الاتحاد الوطني الكردستاني... وقد استشهد معه صامد الزنبوري وآخرين حيث كانت المجموعة مشتركة من الفصائل المشاركة في عملية بشتآشان..وقد كان يقاتل بسلاح ال ار بي جي أثناء استشهاده البطولي .
لم ار أو اسمع في حياتي رجل يتذكر أمه مثل الشهيد (ملازم جواد) زهير موسى عمران .. كان يناغيها عن بعد ٍ ويتذكرها بصوت عال وبكل حنين كان يردد.. ماذا أقول لأمي أين كنت وعلى أي ارتفاع أنا الآن.. كان يسألني دائما أين يجد صخرة تحمي هذا الجسد الضخم.. كنت أجيبه.. أنت الصخرة .. وبالفعل استشهد ولم يستطع إيجاد تلك الصخرة التي تحمي ذلك الجسد الضخم .....
أما القبر .. فالقبر ذكرى وذاكرة محفورة في أرواحنا... أتصوره واقفا أمامي كلما قرأت موضوعا عن بشتآشان أو قنديل، انه خالد في ذاكرتنا وتاريخنا... الكثير من شهدائنا ليس لهم قبورا... ومثلما رثى الشاعر عريان السيد خلف الزعيم عبد الكريم قاسم....
يلگبرك فرح بگلوب كل الناس... شلگ بالگبور الرِجل تاطيهه
إن شهداء بشتآشان.. قبورهم ليست على الأرض.. لأنهم يسكنون ذاكرتنا .. يحتضنهم الثلج الناصع البياض كل شتاء ومع ذوبانه يزهر لهم بوروده الصغيرة ثم تزهر لهم شقائق النعمان ويليها النرجس الجميل..