مثنى جاسم مثنى عداي / مناف الأعسم

الشهيد يوسف عرب
حكايتي مع اسم يوسف حزينة ومؤلمة ، مختصرها ان لي ثلاثة رفاق يحملون الاسم (يوسف عرب) استشهدوا جميعًا في قاطع سليمانية / سهل شهرزور وهم
-كاظم وروار من السماوة
-عبد المحسن لفتة من الكوت
-مثنى جاسم مثنى من بغداد
جميعهم يسكنون القلب والوجدان ، وتوفى لي ابن اخي يوسف فارس الأعسم وهو شاب وخريج صيدلة جامعة (kingston) وبمجرد انه باشر بعمله اصابه مرض عضال و رحل عنا.
التقيت مثنى في شهرزور بعد ان توزعنا على السرايا المتواجدة هناك واقصد نحن جماعة التنظيم المدني فكان تعييني مع سرية شهرزور , فوجدت مثنى في جامع قرية ئالان وهو يتحدث الى بقية البيشمركة بلغة كردية سليمة وبطلاقة فحسبته كرديا على الرغم من سماره الشديد والأمر الذي زاد من يقيني بانه كردي هو أهل شهرزور وبالذات عشائر الگلالين يمتازون بسحنتهم السمراء ، والأكثر من ذلك فهم يربون الجواميس وتساعدهم بذلك بيئتهم حيث يقطنون السهل الملاصق لبحيرة دربنديخان .
بعد ساعات توزعنا على البيوت المتواجدة في القرية لغرض تناول وجبة العشاء والعودة الى الجامع للمبيت فذهبت مع مثنى ورفيق اخر الى احد البيوت وكان صاحب البيت محامي ومثقف ودخلنا نقاش ممتع معه ، وأبلى صاحبي مثنى بلاءا حسنا وتحدث له عن المنطقة والوضع العسكري فيها مبينا له قتامة الايام القادمة من حرب داخلية وخارجية وتوقع ان تكون شهرزور بالذات ساحة حرب.
فأخبرت مثنى بان يخفف عليه توقعاته بعض الشيء، فقال لي : ولك خايب شمالك هي هيج راح تصير ، ضحكنا وصرنا لانفترق وأحاديثنا كلها عن بغداد وخصوصًا بعد ان ظهر لدينا أصدقاء مشتركين ، سألته يوما : شلون تعلمت كردي هيچ، فأجابني مبتسما : هسه قابل تعلمت فرنسي وزعل احد رفاقنا الأكراد واعتبرها مزحة ثقيلة ، واستطرد مثنى بقوله انه كان العربي الوحيد بهذه السرية وقضى ساعات طويلة لوحده بجوامع القرى يقرأ الكتب الدينية وباللغة الكردية، فمثلًا الفاتحة وترجمتها الى الكردية مع الشرح وهذا ما يتوفر له آنذاك . وصار الشباب الكرد يسألوه عن معاني بعض الكلمات الكردية ويجيبهم بأسلوبه المحبب وخلقه الرائع و تواضعه الجم فكانوا يجلّون شخصه ويعتبروه الأخ الكبير لهم .
في احدى مهماتنا ذهبنا الى قرية مالوان وكانت هذه القرية على خط التماس مع اليكتي وكان القتال بعد احداث بيشتاشان مستمر فوضعنا حراسة مشددة كان الجو حار فقررنا المبيت بإحدى فناءات القرية قرب الجامع وبمجرد ان وضعنا أفرشتنا بدأ الرمي علينا بكثافة وبادلناهم الرمي والركض باتجاه الرمي والاحتماء بحائط الجامع ، اخيرا تمكن الحرس الذي كان فوق سطح الجامع من الرمي و إسكاتهم ، عدنا للمبيت بعد التأكد من هزيمة المعتدين، في صباح اليوم التالي عثرنا على احد الجرحى من اوك ( اليكتي)، و قصة هذا الجريح تصلح ان تكون سيناريو لفيلم كوميدي وتراجيدي في آن واحد، فقد جرح مرين وتأسر مرتين على أيدي رفاقنا، الاولى كان جندي في ربية للجيش واقتحمها رفاقنا وتوسط اليه الاتحاد ( اليكتي) بان نفك أسره ويلتحق بهم مقاتلا وتم ذلك دون قيد او شرط !
وهذه المرة الثانية جاء ليرد الفضل والعمل الصالح، فقام بغدرنا ولسوء حظه مرة أخرى سقط أسيرا وكان جرحه بالغا حيث استقرت الرصاصة بركبته وصاحبها نزيف وقضى الليلة بطولها يأن بالعراء بعدما تركه رفاقه ( الشجعان) لا يلوّن على شيء.
في نفس اليوم جاء د ابو عادل لعلاجه واسئصال الرصاصة من ركبته وجاءت والدة الاسير من سليمانية تولول و تنحب وتتوسل بان لانقتله كما فعل اليكتي مع رفاقنا الاسرى في بيشتاشان والكلام للام وهي شهادة بشيوع امر إعدام رفاقنا الاسرى ، ومثنى يترجم لي فورا ، وتتوعد الأم بان تأخذ ابنها ويترك الاتحاد والبيشمركايتي وتبكي وتردد لاتقتلوه رجاءًا ، اعرف أنكم إنسانيون وكل سليمانية تعرف ان الشيوعين إنسانيين ، عندها اخبرها د ابو عادل (له العمر الطويل) بان ابنها سينجو من الموت والرصاصة مستقرة ولايستطيع اخراجها بالوسائل المتوفرة آنذاك ولكنه أوقف النزيف مما أعطى فرصة لنجاته واستكمال علاجه فيما بعد، استدركنا انا ومثنى الموقف ، فهذا الوغد جاء ليغدر بنا ونفذ ما أراد ولم يحالفه الحظ وهنا أوقفني مثنى بل حالفه الحظ و حضى بعلاج ورعاية و سيخلى سبيله ، كتمنا غيظنا واقترح علي ان نترك المنطقة ونتجه الى البحيرة ونشتري سمك من بعض القرى القريبة من قلبزة قرب ناحية سيروان وهكذا اخبرنا مسؤلنا العسكري احمد كومنست ووافق وحصلنا على سمكة مناسبة وذهب مثنى الى احد البيوت وجلب لنا مقلاة ودهن وخبز وجلسنا جنب الجامع في تلك القرية، مثنى تذكر والدته وعصفت موجة الاشتياق به الى لمة الأهل والأحباب وقال - في بيتنا كل يوم جمعة نجتمع جميعًا وتقوم الوالدة بإعداد سمكة نهجم عليها وعند الانتهاء من الطعام يقول والدي ها شفتهمتوا ؟ وكان يقصد ما شبعوا ويعلو ضحكنا ولكن كانت الوالدة تنزعج فالمسكينة تتعب وتبذل قصارى جهدها لارضائنا - أجبته ان حال الأمهات هكذا دائما.
بعد ايام قليلة كان علينا التصدي لتقدم للمرتزقة الجحوش من محور احمد برندا، فقال لي مثنى تدري اخاف عليك تستشهد ، أجبته وما الغريب ولكن لماذا تعتقد هكذا ، قال لانك تركض باتجاه الرمي و كان يقصد عندما دوهمنا في قرية مالوان وركضت باتجاه الرمي ولكن للاحتماء بحائط الجامع، أجبته بان علينا الالتحاق برفاقنا بأحمد برندا تلك القرية النائمة على سفح اعلى جبل في شهرزور ومطلة على الشارع الموصل من دربنديخان الى سليمانية، وجدنا رفاقنا من من سرية كرميان قد سبقونا وتحصنوا بالقمة و لم يتركوا فراغًا و وجدناهم قد تصدوا لغارات السمتيات يوميا ، بقينا أسبوع كامل نقاتل ونتصدى للغارات وكان أهل القرية قد تركوها .
كانت السلطة مصرة على جعل منطقة شهرزور ساحة حرب، و جائنا قرار بالانسحاب الى كرجال وجبال سورين ، ذهبت الى هزارستون عندما كان مقرا للتنظيم المدني وبَقى مثنى بسرية حلبجة وبعد ايام قليلة وصل ستة رفاق وهم (خه بات، ئاسو ،مثنى ( يوسف عرب)، سنكر، رفيق، جلال) ، وكانت نيتهم تنفيذ عملية تتطلب عبور السهل نحو منطقة بنجوين وسبق ان اجتازوا تلك المنطقة مرات عديدة ولكن بعد تحولها الى ساحة حرب وضعت الألغام بكثافة ، الامر الذي لم نعلم به.
انفجرت الألغام تحت اقدامهم ولم ينجو منهم الا جلال الذي استشهد بعد أسبوع من هذه الحادثة في معركة سويلميش خريف ١٩٨٣، وجرح سنكر ورفيق فيما استشهد الثلاثة
خه بات ذلك الشاب الذي لم يتجاوز العشرينيات عمره
ئاسو النائب عبد الله ،(هناك منشور عنه وعن وفاة والدته)
مثنى جاسم مثنى عداي الساعدي، الشهيد يوسف عرب، طالب الإدارة والاقتصاد في البصرة
في الذاكرة والوجدان