شخصيات انصارية (الرفيق كانبي صالح) / محمد علي رحيمة – ابواحرار

لا يمكن الحديث ابدا عن تأريخ حركة الانصار في أربيل دون ذكر نضالات الرفيق كانبي صالح المميزة. بل تأريخه الشيوعي النضالي سوية مع رفاقه الآخرين. كان هو واحد من الكوادر العسكرية المميزة في قوات بيشمركة الحزب أيام السبيعنيات التي انتهت بقيام الجبهة الوطنية. كان كانبي كغيره من الشيوعيين في أربيل غير مطمئن على العمل المشترك مع البعثيين. كان ذلك بدايات عام 1978. بل لا قناعة لدى منظمات الحزب بالتعاون مع البعثيين. ولا توجد ثقة لدى غالبية الرفاق داخل التنظيم بأن البعثيين جادين في حل المشكلة الكردية و اعطاء الحقوق القومية للشعب الكردي ضمن العراق الواحد. ولهذا كان الرفيق كانبي مع عدد محدود من المبادرين الى جمع البعض من قطع السلاح ومحاولة اخراجها وخزنها لدى الركائز الحزبية في القرى والارياف القريبة من المدينة ، وتحديدا في بسط الشرغة في قرية (( باي زاغة)) وغيرها. كانت مبادراته مبكرة و مشهود لها أعقاب واحد من الاجتماعات المهمة لمجموعة من الكادر، عندما قرروا ترك المدينة والصعود للجبل والبدء في استقبال وتجميع الانصار في منطقة بسط الشرغة. و دون انتظار ما يأتي من قرارات اللجنة المركزية. كان الرفيق كانبي هو واحدا من الرفاق الاوائل اللذين بادروا بالصعود للجبل. ولكونه ذو خبرة عسكرية ميدانيه في المفارز، فقد اسندت له قيادة المفارز الاولى وتنظيمها، وكذلك التنسيق مع مفارز القوى الاخرى التي سبقت رفاقنا بالمتواجد هناك، ومن هؤلاء مفارز(( الحركة الاشتراكية- بزتنوه)).
كان الرفيق كانبي صالح بقامته الفارعة وجسمه الممتلء ونظراته العميقة، يفرض هيبة لا يمكن تجاهلها من لدن من يشرع بالتحدث معه ، لكن سرعان ما يرى الوجه الثاني لهذا الرجل العملاق، فهو سريع البديهة صاحب نكتة دائمة ومتواصلة، مبتسم دائما، رغم اوجاعه التي لا حصر لها. مرة عام 84 19في مقر لنا على سفوح سفين افتقدنا احد الملتحقين من الشباب الرعاة الجدد، التحق قبل خمسة ايام لا أكثر ثم اختفى، فما كان من كانبي الآ ان يطلق تعليقه (( يمعودين لا ادوخون بالبحث عنه، هذا الشاب خلصت أجازته و رجع لاهله ولحيواناته)) يعني انه كان يقضي أجازة لدينا هاربا من أهله.
ومرة كان يحدثني عن ما حدث له بالمشفى الايراني في طهران حيث يعالج جرحه، فسألته ان كان يحكي الفارسية، (( رفيق حط سوية ثلاثة حروف عربي ثم ثلاثة كردي يطلع فارسي وابوك رحمه الله. سهلة جدا)). كان دائم النكتة والضحكة حتى عندما يغضب اجده يضحك ايضا.
عشية الاجتماعات التي كان يقودها ملازم خضر في أذار 1981 في قرية ((ورتة)) حيث تشكيل الفوج الخامس في اربيل، كان ، لقائي الاول بمجموعة رفاقنا في أربيل، ومن ثم انضمامنا الى سرية اربيل، كان كانبي جريحا وتوا عاد من مفرزة كبيرة كان يقودها نشطت في مناطق أرياف اربيل الكبيرة والعديدة والواسعة. لقد جرح في عملية كمين محكم قام رفاقنا بنصبه لقوات حكومية كانت تحرس واحدة من شركات النفط في المنطقة. كانت القوى مؤلفة من القوات القذرة مزودة بمجموعات كبيرة من الجحوش والمرتزقة. انزل رفاقنا الانصار بالقوات الحكومية خسائر جسيمة كانت نتيجتها هو أغلاق شركة النفط وغلق الابار والمغادرة دون رجعة. جرح الرفيق كانبي في في واحدة من أرجله، كذلك جرح الرفيق هلمت ايضا في رجله. وهنا وقبل ان يذهب الى ايرن للعلاج والفحوصات ،حيث هي الوسيلة المقدر عليه انذاك، كانت الاجتماعات شهدت تشكيل الفوج الخامس بسرياه الثلاثه، اربيل وروست وملكان - التسميات بدلالة مكان المقرات- وهنا تم تعين الرفيق البطل الشهيد علي كلاشنكوف كآمر للفوج. هنا ثارت ثائرة الكثير من رفاق اربيل وكان (كانبي) واحد منهم. بل على رأسهم. لم يستوعبوا كيف يجىْ برفيق من السليمانية ليقود الفوج باربيل. هذه قضايا كانت ذو تأثير كبير. لها ظلالها الثقيلة على الجميع هناك من بيشمركة الرفاق من آهالي منطقة اربيل.
لكن ارادة الحزب والقيادة التي كان يمثلها الرفيق ملازم خضر، انتصرت في الاخير وسار الفوج تحت قيادة الرفيق البطل علي كلاشنكوف.
عندما عاد الرفيق كانبي من رحلة العلاج متماثل للشفاء مع بقاء شيء من العجز في رجله الجريحة، كنا قد أنغمسنا في الصراعات المؤذية مع قوات الاتحاد الوطني (اوك). ثم في فترات تهدئه دون اتفاقات. ثم اعادة تشكيل الفوج الخامس حيث ذهب الرفيق علي كلاشنكوف الى السليمانية، وحل محله الرفيق الفقيد (ملازم أحمد) كآمرا للفوج. هنا كان كانبي مع مكتب الفوج دون مهمات قيادية. لكن كعادته كان يساهم بالعمل.
اتذكر عندما نزل ملازم خضر مع مفارزنا الى ده شت اربيل، حيث احتفلنا بمناسبة 31 أذار عام 1983، اشترك الرفيق كانبي في تلك المفرزة الكبيرة المؤلفة من مجموعة كبيرة من بيشمركة سرايا الفوج الخامس. وفي واحدة من العمليات التي نفذناها في المدخل الغربي للمدينة على الطريق الرابطة بين قضاء مخمور واربيل، حيث قمنا بنصب كمين محكم لقوات الطواريء القذرة، التي وقعت في الكمين حسبما خطط لها، وتم تدمير القوة بالكامل وتحطيم ناقلة جنود حيث ارتطمت اجزاءها المدمرة بمنازل قرية ((لطيفاوه))، كان كانبي يرمي من بندقيته واقفا و بصوته القوي كان ينادي على الرفاق بالانسحاب وبعدم اقتحام الشارع، بعد تدمير الهدف كليا. وفي صباح اليوم الثاني كان يغدق علينا بنصائحه وخبرته بالتخفي الجيد في بسط الشرغة لان الطيران السمتي حتما سيرد.
كان فرحا ومرتاحا، وكأنه بالضبط رجع الى ميدانه الذي يعشقه.
كان كانبي ودودا ودافئا في علاقاته مع الرفاق. لم اشهد انه دخل في مشادة كلامية او غير ذلك مع أحد الانصار يوما. لكن كان العديد منا نحن الانصار العاملين في اربيل ندرك ونلمس معاناة كانبي وشعوره بعدم الرضى وبالغبن عندما تم تجاوزه من قبل القيادة وعدم تكليفه بقيادة الفوج الخامس. وظل هذا الشعور يلازمه حتى الايام الاخيرة، مع التبدل الذي حصل اعقاب معارك بشاشان الثانية واعادة تشكيل الفوج الخامس وعموم قاطع اربيل.
كانت صلة القرابة التي تربط الرفيق كانبي بالخائن وعميل السلطة((ممو))، وهي صلة المصاهرة، قد أثرت كثيرا على سمعتة ومزاجه والحقت به نوعا من العار، وهو بريء من كل ذلك. كان ذلك أعقاب تنفيذ ممو جريمته بالايقاع بمجموعة بطلة من انصارنا حيث استشهد من استشهد وأسر البقية من الرفاق. هنا كسر ظهر كانبي وليست سمعته فقط . أتذكر كان يصيح منفعلا وبصوت عالي، وهو محقا بذلك، كان يصيح ( من هو المسؤول عن ارجاع ممو ومنحه الثقة، الكل يعرف انه خائن جبان، كيف يثقون به، هل هناك واحد سألني عن ذلك ...) كان حزينا جدا لان اغلب الشهداء هم من اقرب الرفاق لقلبه، وهم أصدقاءه والشباب منهم ، كاولاده. نعم، كان يشعر ان هناك الكثيريين الذين لا يرحمون ويخلطوا الاوراق. و فعلا هذا ما حصل. وربما كان هذا السبب الاساس الذي دفع بالرفيق كانبي ان يحتمي بقوات احد الاحزاب القومية الكردية في آواخر ايامه أعقاب سقوط نظام الطاغية او حتى ربما قبل سقوطه في فترة كون كردستان منطقة محمية تحت حماية القانون الدولي.
اليِ، والى غير من الانصار يبقى الرفيق كانبي صالح واحدة من القامات الانصارية العملاقة في العمل الانصاري في اربيل. خاصة فترات البناء الاولى. وادعو رفاقي من الذين يعرفوه الى وقفة وفاء معه، خاصة وانه ودع هذه الدنيا حزينا ومهموما.