من ابطال السهول الدافئة .. الفقيد حاجي جمال / محمد علي رحيمة – ابو احرار

شخصيات انصارية

الفقيد حاجي جمال

كان لقاءنا الاول وتعارفي به في قاعدة ((ورتة)). ايام التجمع الانصاري الكبير وبدء الاجتماعات للكادر الحزبي والعسكري لتشكيل الفوج الخامس بقيادة الرفيق ملازم خضر.

- (( رفيق ابو احرار انا مستشاركم السياسي لسرية اربيل وسوف تكون انت في فصيل الرفيق كانبي شوان، وسوف نعقد اجتماعنا الحزبي الاول بعد ايام و....)) هكذا بدء معي تعارفنا وحديثنا الاول. جذبتني به لغته العربية السليمة. و خلال وقت قصير جدا اصبحنا أصدقاء نتحدث عن بغداد واجواءها الحلوة ولفت انتباهي معرفته بكل ذلك وبالتفاصيل عشية بدء حملات الارهاب على تنظيمات حزبنا في بغداد وبقية المحافظات الامر الذي دفع حاجي جمال الى الرجوع الى اربيل وترك محل عمله في جريدة الحزب( طريق الشعب) كمصحح لغوي للعربية و كذلك الكردية. كانت ثقافة الرفيق حاجي جمال عربية- كردية تجمع الشخصية العراقية بأمتياز. موسوعي بالمعلومة خاصة الكردستانية- التأريخية. كنا سريع ما نرجع اليه كمصدر موثوق لا يناقش، خاصة بموضوع تأريخ الحزب وفترات نضاله منذ تأسيسه حتى اليوم.

هو معلمي الاول باللغة الكردية. لا ينزعج من كثرة الاسئلة، ولديه صبرا لا حدود له. كنت أشعر ان وجود رفاق مثل ((حاجي جمال)) ضروري جدا في كل قاعدة حزبية، فهو طاقة ايجابية لا يتوانى عن المساعدة وهو تواق لها. كان شديد التفهم للانصار وحاجياتهم وتصرفاتهم، حتى الخاطئه منها يتعامل معها بروح تربوية لا تجرح الواحد.

كانت شخصية حاجي جمال كم هي بسيطة ودافئه، فهي بنفس الوقت عميقة ويكتنف الغموض بعض من جوانبها خاصة بما يخص العمل والمهام التي توكل له. لقد حرصوا ان لا يذهب بعيدا عن العمل بسرية كمستشار سياسي، وهو هذا الشيوعي الرائع صاحب الخبرة والثقافة الواسعة.

(كان ابو حكمت) يحرص دائما على ان يجعل من ((حاجي جمال)) المستشار السياسي للسرية، وخلال المفارز القتالية تعهد تلك المهمة الي، خاصة في سنوات 1983، 1984، 1985 .

لماذا لم يمنح فرصة اخرى و مهام اكبر من ذلك؟

كان هذا السؤال يراودني وربما غيري من الرفاق.

ربما تكون ثقافته الحزبية قد رسخت لديه شيء من الحساسية الزائدة تجاه تلك الاسماء القيادية التي كانت تتحكم بقيادة العمل الحزبي والعسكري في كردستان. كنت اشعر وربما اكون خاطئا ان لديه شيء من الضعف امام تلك الهاله التي سبغ الكثير من القيادين نفسه بها، كقيادي له نبرته الخاصة، وله موقعه الذي يجب ان لا يطاله النقد.

نعم، أعتقد ذلك، علما ان امكانيات حاجي جمال كانت كبيرة و أفضل من امكانية الكثير من القياديين.

أتذكر مرة وبخني بشكل ايجابي لا سلبي،( كيف يعتقد واحد مثلك شيوعي مثقف، ان مكرم الطالباني لا علاقة له بقيادة الحزب. عليك ان تفكر بطريقة أخرى.). هكذا انهى كلامه معي ونحن نذرع سطح المقر ذهابا و ايابا نناقش ماذا بعد معركة بشتاشان. ولقد كان محقا، فقد افصحت الاحداث اللاحقة صحة أراءه ودقة توقعاته.

لم أتذكر يوما أن الرفيق ((حاجي جمال)) تحدث مرة عن ظروفه الشخصية او العائلية. ولكنا كنا نعرف انه مثلنا، غير مرتبط وكرس جل ايامه لقضية الحزب والوطن.

أتذكر مرة سررت له برغبتي باكمال دراستي قبل ان يزف العمر، فبسبب حملة الارهاب نهايات عام 1978، أضطررت مع الكثير من رفاقي الى ترك دراستي الجامعية واهرب متخفيا. وكان هذا الحديث عشية الحديث عن زمالات دراسية سوف تغادر من هنا الى الخارج.

صدمت بتعليقه الذي كان محقا بلا حدود.

(( رفيق لا تحلم -أنهم- سوف يسمحون لكم بذلك ويمنحونكم الفرصة بالسفر. لا تفكر بذلك. انهم لا ينفكون منكم حتى النهاية)).

وبغض النظر عن الموضوع، استوقفتني مفردة، أنهم، التي جسد فيها الكثير من معاناته من اساليب عمل القياديين الحزبيين الماسكين بدفة القرار السياسي والحزبي. كان رفيقي شديد الفهم والدقة لتلك الاساليب.

(( اذا لم يرضى عليك فلان او فلان فلا تسير الآمور...))

أن حياة الرفيق حاجي جمال عاش جلها من اجل قضية الحزب والوطن، وهي جزء من تأريخنا الانصاري الذي يجب أن نفتخر به.

والان، فاعقاب تلك السنوات اقدم اعتذاري الشديد لك رفيقي حاجي جمال. لقد تأخرت بوقفة وفاء معك. لا لسبب غير،ان هي الحياة التي نعيشها، لم تخدمنا كما يجب.

لقد كان خبر رحيلك مفجع على قلوبنا، فقد كنا نحلم باللقاء بعد سقوط الصنم.