الصحافة التقدمية هي البذرة التي زرعت في أرض الرافدين، لتنمو شجرة وارفة الظلال، إلا وهي الصحافة الشيوعية.    

لقد بدأ أتجاه جديد يأخذ طريقه في الظهور على مسرح السياسة العراقية، النابع من التطور الفكري والواقع المادي، المطعم بالأفكار التحررية والماركسية، حيث ظهرت جماعة الاصلاح الشعبي لتقود معركة الديمقراطية والتطلعات الجماهيرية المعبرة عن مصالح الشعب سيما العمال والفلاحين.

في بداية عقد الثلاثينات من القرن الماضي، تكتلت بعض الفئات الوطنية والديمقراطية في حلقات خاصة، أطلقت على نفسها (جماعة الأهالي)، رسمت لنفسها منهاجاً تقدمياً اشتراكياً، وقد أصدرت في كانون الثاني (يناير) عام 1932 جريدة (الأهالي)، التي كانت لسان حال الديمقراطيين والتقدميين في تلك الفترة. تصدرت الجريدة هذه الكلمات ''تصدر الجريدة ونحن نقدر تماماً أهمية الصحافة وعظم أثرها فالصحف مدارس الشعب فهي تنير طريقه''.

بعد ستة أشهر عطلت جريدة (الأهالي)، ثم أصدرت الجماعة بدلاً عنها جريدة (صوت الأهالي). بعد 54 عددأً منعت الجريدة من الصدور بسبب مقال بعنوان ''خنق جديد للحريات في لائحة قانون المطبوعات''.

ازدادت الحالة السياسية توتراً اثر تضييق الخناق على الحريات العامة، وفي خضم ذلك أصدرت جماعة الأهالي صحفية جديدة باسم ( المبدأ) في 26 كانون الثاني (يناير) 1935.

نشأت الصحافة الشيوعية في العراق، على أيدي عدد من الكتاب الماركسيين الذين كتبوا بعض المقالات الماركسية في الصحافة شبه الرسمية كجريدتي (العراق والاستقلال)، وقد مهدت هذه الكتابات لإصدار مجلة (الصحيفة) الأسبوعية في 28 ايلول 1924، والتي تعتبر باكورة الصحافة الماركسية في العراق، كما ساهمت مجلات (عطارد وفينوس والعقاب الاسبوعي) في التمهيد للصحافة الشيوعية.

بعد تأسيس الحزب الشيوعي العراقي السري، في 31 آذار عام 1934، الذي ضم في صفوفه الكثير من المثقفين الماركسيين والعمال والفلاحين الثوريين. وقبيل صدور أول صحيفة شيوعية جرى توزيع نشرات سرية للحزب على نطاق جماهيري، وبشكل بيانات سياسية موجهة، بالأساس، ضد سوء الأحوال المعاشية والاقتصادية، وضد نهب الإقطاعيين لأراضي الفلاحين، كتبت بآلات كاتبة متواضعة، وفي أقبية خفية، بحذر واحتراس شديدين رصفت حروف أول جريدة سرية يصدرها الحزب الشيوعي العراقي (كفاح الشعب). صدرت في بغداد في 31 تموز علم 1935، صحيفة شجاعة لم تخضع لمقص الرقيب، دخلت البيوت والمصانع والمدارس خفية، كتبت في صدر صفحتها، ولاول مرة اسم الحزب الشيوعي، ورسمت شعار المنجل والمطرقة.

ساهمت كفاح الشعب في المعارك ضد الامبريالية والرجعية والدكتاتورية، ونشر الأفكار العلمية والثقافية التقدمية، كما حاربت الفكر اليميني بأشكاله، وكانت منبراً لكل القوى الديمقراطية والثورية.

 

صدرت (كفاح الشعب) بأربع صفحات حجم صغير، على صدر صفحتها الأولى ومن الجهة اليمنى، لأسم الجريدة شعار (ياعمال العالم اتحدوا).

اهتم الحزب الشيوعي بالصحافة العلنية انذاك، فعمل بعض اعضاء الحزب مثل زكي خيري بصفة محرر في صحيفتي الاهالي والحارس التي عادت للصدور في عام 1936، كما عملوا في تحرير جريدتي (الانقلاب والرأي العام)، التي كتب فيهما فهد بتوقيع سري.

من الصحف التقدمية العلنية التي رافقت بداية تنظيم الحزب، مجلة (عطارد) الأسبوعية، أصدرها لفيف من الشباب اليساري في ايلول (سبتمبر) 1934، لصاحبها حسين الرحال.

مجلة (ڤينوس) الثقافيّة والأدبية،  صدرت في بغداد 16 تشرين الأول (أكتوبر) 1934، ساهم في تحريرها الشاعر محمد مهدي الجواهري.

استفاد الحزب الشيوعي العراقي من فرصة الكتابة في الصحافة العلنية، لبث سياسته وآرائه الى أوسع نطاق من الجماهير.