قيل للبغل: من أبوك ؟

قال الحصان خالي!..

يضرب هذا المثل عادة لمن يفتخر بشيء لغيره، وما اكثرهم هذه الايام ..

البغال  كما هو معروف عقيمة، فهي حيوانات هجينة ناتجة عن تزاوج حمار وفرس. ويُفسر عقم البغل علميا، في أن  الفرس تمتلك 64 نوعاً من الكروموزومات في حين يمتلك الحمار 62 كروموزوماً، أما البغل فيولد في الوسط بثلاثة وستين منها وهو عدد لا يمكن تقسيمه الأمر الذي يجعل البغل غير قادر على التناسل.

دأب الشيوعيون في حركة الانصار في كردستان على اطلاق تسميات لا تخلو من الفكاهة او التحقير احيانا على بغالهم التي يستخدمونها كوسيلة نقل فعالة، لا يمكن الاستغناء عنها في الجبال والطرق الوعرة..

ومن بين تلك البغال التي عُرفت بقوتها وقدرتها على التحمل، بغل كان اسمه (خمـ يني)، ونظرا لوداعته، فقد خُصص لتنقل القائد الانصاري الجثم والطويل القامة  (توما توماس)، وقد أُخرج هذا البغل عن الخدمة بعد ان شاخ، فمُنح حق التقاعد والتجول بحرية بين الفصائل في قاطع بهدينان!..

بغل آخر ابيض اللون عُرف بضخامته فأطلق الرفاق عليه اسم  (ريكان)، وهذا البغل الرشيق له قصة أخرى، فقد تعرّض الى اصابة في رجله خلال تعرض مفرزة انصارية الى كمين للقوات التركية على جبل عادل بك، فأقعدته، وتُرك طليقا في دشت (براز كرت)، واستمر (ريكان) وفيا لمفارز الانصار، حيث كان يرافقها على قدر استطاعته ذهابا وايابا عند مرورها عبر ذلك الدشت متجهة الى منطقة لولان على الحدود الايرانية..

كان في مقر القاطع  أيضا بغل آخر أطلق الانصار عليه  اسم (حسن الكاشف) تحقيرا لمراسل بغداد المتملق من باريس، خلال الحرب العراقية الايرانية، وهو من اصل فلسطيني، وكانت تقاريره هزيلة، تُمجد وتمتدح النظام..

أما (ناملت)، فكانت من بين البغال الأكثر إثارة للاعجاب، بغلة تجمع بين القوة والذكاء والجمال، ولهذا أُعجب بها فلاحو المنطقة، فكانوا يعرضون مبالغا مضاعفة لشرائها.. كان التعامل مع (ناملت) صعب جدا، فقط أؤلئك الذين يمتلكون خبرة  ترويض البغال يستطيعون التعامل معها. اذكر منهم الرفيقين الرائعين ابو نادية أيطاليا وابو حازم التركي لهما المجد والذكر الطيب.. واذا اخذنا بقاعدة ان الانسان يتميّز عن الحيوان بالعقل، فأن (ناملت) كانت تمتلك من العقل والذكاء قد يفوق  كثير من البشر!..

ومن بين القصص التي شهدتُها على الانسة (ناملت)، هي قصة وقوعها في عشق الحصان الأسود للرفيق ابو يوسف (مسؤول منظمة إقليم كردستان حينها). حيث كان قادما من كافيا وحلّ ضيفا على القاطع، وعندما تحركت مفرزته باتجاه الفوج الثالث، تحركت معهم المغرومة (ناملت)، ولكم ان تتصوروا الجهد الذي بذله الرفاق لفك (ناملت) عن حصان ابو يوسف، واعادتها إلى المقر، لتعيش على مايبدو بعدها في كآبة لايام ، مضربة عن العمل!..

من بين البغال المشهورة أيضا، والتي عليها الاعتماد، بغل كان اسمه (حمه كوزي). وقد رافقنا إلى آخر لحظات تواجدنا في كردستان، وتُرك على الحدود التركية حرا طليقا بعد أن اكمل مهمته مشكورا..

في الفوج الأول كانت البغال عادة تُكنى على أسماء لاعبي كرة القدم المشهورين، مثل زيكو، ماردونا.. الخ، وكان الشهيد روبرت المولع بكرة القدم، هو الذي يطلق عادة على البغال اسماءها..  وعُرف هناك الرفيق ابو الياس وهو طبيب أسنان لم يرغب بممارسة مهنته في كردستان  الا ماندر،  فعمل كسايس مروض للبغال  ومتمكن في التعامل معها ..  وفی سوران عُرف الرفیقین حمە یوسف وعلي رزگە  في اهتمامهما المتميز ومداراتهما للبغال، وعادة ماكانت تطلق هناك ماركات السيارات المعروفة على البغال، فكان الفولفو وكان المسكوفج وغيرها..

بشكل عام، كانت البغال ملهمة للرفاق في كتابة الشعر والقصص القصيرة والهوسات والاغاني ، ويتداول الرفاق اغنية تقول :

كاكة حمة ما انطانا   

لا البغل ولا كرتانا

شلنه الحمل عل الهامة..

هيلا يا الله   هيلا هيلا

.......................................................................

من تعليقات الانصار حول (البغل)!

صديقنا في الجبال و الوديان.. البغل.. فهو المأكول  المذموم.. كنا نعامله بقسوة.. قسوة تنسى حاجتنا الماسة له.. و حجتنا إنه لا يستطيع الاعتراض.. و لكنه يلجأ للانتحار هربا من ظلمنا والأحمال الثقيلة.. أما  المهربون، فكانوا يعرفون قيمته.. و يدارونه.. لأنه يكتسح الطرق الجبلية في ظلام الليل.. وحتى وإن كانت مغطاة بالثلوج..  وكانوا يسقونه الخمر ليقاوم البرد و ليتحمل ثقل الأحمال..

كانت لدينا قصص جميلة مع صديقنا البغل.. الذي كان يقودنا الى الطريق الصحيح و نحن في غاية التعب والارهاق وفي قلب الخطر..

  ويبقى البغل حائرا بين اعمامه الحمير وخالاته المهرات الرشيقات.. فهو وليد نزوة عقيمة بين الحمار و المهرة.. ويا مكثر هذه النزوات العقيمة بين سياسيينا و احزابنا و ناسنا..

كفاح حسن

..............

تحية وأحترام لهذا المخلوق الوفي --- وبالذات (ناملييت) --- دعونا أيضاً -- أن لا ننسى رفيقنا (أبونادية أيطاليا) ألذي راح ضحية التفجيرات الأرهابية في بغداد ---- (أبو نادية أيطاليا ) كان خبيراً في مدارآة هذه الحيوانات في مقر قاطع بهدينان للحزب الشيوعي العراقي --- تحية أجلال وأحترام لروحه .

ابراهيم زاير (زكي)

.................

ومن نوادر وحكايات الانصار، تعرضت مفرزة لكمين تركي قرب منطقة حياة وتشتت الرفاق وانقطع البعض عن الاخر وقد كان نصيب الرفيق وهو دكتور لايحضرني اسمة ان بقي وحيدا مع البغل، وهو ليس دليلا في المنطقة، ولايعرف كيفية العودة الي المقر، ففكر بذكاء وربط بشتينه وهو القماش الذي يستخدمه البيشمركة في ذيل البغل وتبعه الى ان ادخله مقر الحزب في بيربينان وكانت مفاجأة عظيمة للرفيق نفسه وللرفاق الاخرين في المقر.

عباس حسين (ابو زاهر)