يقع مجمع برسفي في القسم الشرقي من سهل السندي بالقرب من سفح جبل كيرا، يحده من الشمال قرى كندك وسنداف ويوسف افا، ومن الشرق قرية داسك، ومن الغرب قرية دركار عجم وقرية ماميسا، اما من الجنوب فقرية هزأوا وقرية بهراواه.
قرية برسفي موغلة في القدم، فهي تعود الى بدايات دخول المسيحية الى المنطقة، وهي ضمن اراضي إقليم كردستان، وتبعد 16 كلم شمال مدينة زاخو التابعة الى محافظة دهوك، تم تحويلها الى مجمع بعد انهيار الحركة الكردية عام 1975. أما سكانها، فهم خليط من الاكراد، والأشوريين، والكلدان، والسريان.
بعد انتهاء اعمال المؤتمر الرابع لحزبنا الشيوعي العراقي، الذي انعقد في منطقة (خوا كورك) تحت خيمة نُصبت بسواعد الثوار الأنصار الشيوعيين في قرية (مركة وه روك) من 10 – 15 تشرين الثاني 1985، وتحت شعار من اجل انهاء الحرب فوراُ، واسقاط الدكتاتورية الفاشية، وتحقيق البديل الديمقراطي، تم تبليغ المندوبين بتنفيذ القرارات ومن ضمنها توزيع وثائق المؤتمر وعقد الندوات الجماهيرية داخل القرى والقصبات.
تحركنا من منطقة خوا كورك، وبعد مسيرة خمسة أيام وصلنا الى قاطع بهدينان/ دهوك، فعدت فورا الى تولي مهامي في السرية الثالثة كمسؤول عسكري، وبعد الاجتماع مع المكتب العسكري للسرية، قررنا دخول مجمع برسفي، رغم وجود مقر لفوج الفرسان (الجحوش) الموالين للنظام الدكتاتوري.
المهمة كانت نصب ثلاث لافتات على الشارع العام الذي يربط بين زاخو ومجمع برسفي. كُتب على احدى اللافتات شعار المؤتمر، والثانية، حول الحكم الذاتي الحقيقي لشعب كردستان، والثالثة، مناشدة لافراد الأفواج الخفيفة بترك السلاح والعودة الى بيوتهم.
تم توزيع المهام على الأنصار. مجموعة تنزل الى الشارع وتقوم بنصب اللافتات، والمجموعة الأخرى تدخل الى حي من المجمع الذي يتواجد فيه بيت المختار. كل شيء تم بنجاح بجهود رفاقنا الأنصار. كنت ضيفا مع اثنين من رفاقي في بيت المختار. لاحظت أن المختار مرتبك ولون وجهه مصفر، قلت له اراك خائفا؟، فقال: الحقيقة اني لاول مرة أرى بيشمركة عرب. قلت له: نحن أنصار الحزب الشيوعي العراقي، ليكن في علمك، ان حزبنا يضم في صفوفه رفاقا ينتمون الى جميق القوميات في العراق، وهو حزب اممي.
المختار: ماذا يعني اممي؟، فأجبته: يعني من العرب والكرد والكلدان والاشوريين والتركمان، والايزيدين، والارمن، والسريان، هل فهمت؟:
المختار: نعم أستاذ.
المختار: أنا خائف عليكم، لأنه يوجد مقر للفرسان في المجمع، وإذا علموا بوجودكم سوف يحدث قتال بينكم وبينهم في المجمع، فرجاءً بعد الانتهاء من العشاء اتركوا المجمع وارجعوا الى الجبل. فقلت له: ولا يهمك مختار، واليك هدية من حزبنا، هي وثائق المؤتمر الرابع لحزبنا الشيوعي العراقي، مطلوب منك توصيلها الى الجماهير وأيضا الى السلطة.
المختار: الان انا مطمئن حقا، بعد ان تاكدت انكم شيوعيون، كنت خائفاً من أن تكونوا من مفارز الاستخبارات العسكرية. ولماذا تصورت نحن من الاستخبارات؟، أستاذ سمعتك تتكلم مع رفاقك باللغة العربية فقلت اكيد هؤلاء من الاستخبارات، لهذا كنت مرتبك، وللعلم لدينا أحد اقربائنا في صفوفكم: ضحكت كان يقصد النصير أكرم هو من سكنة زاخو.
المختار: استاذ ممكن أن اعطي هذه الوثائق الى ضابط الامن الذي يزور المجمع مرة واحدة كل أسبوع؟. نعم لك مطلق الحرية....
انتهت مهمتنا بنجاح ورجعنا الى الجبل وبتنا في احدى القرى القريبة. في الصباح خرجت مجموعة منا الى الجبل لرصد حركة الشارع، وبعد ساعتين من المراقبة من خلال الناظور، اكتشفت مجموعتنا ان رتلا عسكريا من الجيش يتقدم باتجاه مجمع برسفي. ثم لاحظنا ان مجموعة من الجنود يتحركون ببطيء باتجاه اللافتات، كانوا يرتدون زيا عسكريا خاصا بالفرق الهندسية الالية المتخصصة بتفكيك وازالة الالغام والتخلص من العبوات الناسفة، اي انهم كانوا يعتقدون باننا قمنا بزرع الالغام المتفجرة تحت اللافتات!.
كان صدى هذه العملية واسعا جدا في المنطقة، والدليل على ذلك، اننا عندما كنا ضيوفا في احدى القرى القريبة من منطقة زاخو، والتي عقدنا فيها ندوة حول وقائع المؤتمر الرابع، وماذا يعني شعار الحزب في المرحلة القادمة، وبعد ان تم توضيح سياسة حزبنا للحاضرين، طلبت منهم اذا ما كان هناك احد لديه سؤال: فنهض أحد الفلاحين وقال: أستاذ انا فلاح بسيط لا افهم في السياسية، لكن اليوم توضحت الصورة امامي على الأرض، وما رأيته في الشارع وكيف كان الرتل العسكري مدججا بالسلاح والمدرعات والجنود خائفين.، وأنتم لم تطلقوا طلقة واحدة وإنما وضعتم بعض اللافتات على الشارع من القماش مكتوب عليها بعض الكلمات، حيث قطعوا الشارع علينا ساعات، نتمنى لكم مزيدا من الاعمال على الأرض وشكرا.