حكاية من حياة الانصار، اكتبها لاول مرة معتمدا على ذاكرتي فقط، ارجوا من الانصار الذين عايشوا الاحداث التصحيح او الاضافة.

كنت احد انصار سرية شربازير التابعة للبتاليون التاسع، عندما استدعاني امر البتاليون الرفيق (نصر الدين هورامي) على عجل في صيف عام 1982، وطلب مني ان اذهب مع الرفيق دكتور دلير وبدون ان يعرف احد من الانصار بمهمة الى قرية (عه زبان) من اجل علاج احد رفاق تنظيم الداخل، الذي أصيب بطلق ناري في صدره في مدينه السليمانية.

من اسم المصاب، عرفت من يكون، حيث كان يتردد بين فترة واخرى على مفارزنا، وقلما يقبل المبيت مع الانصار. كان يلتقي ببعض الرفاق المسؤولين، ويعود الى المدينة ثانية. اسمه (هيرش جاو شين)، شاب جميل وطويل وذو عينان زرقاوان، ومن عائلة تحسب على ملاك الحزب.

حملنا الحقيبة الطبية وتحركنا، وبعد ساعتين وصلنا الى القرية التي يرقد فيها الجريح. اهل القرية هذه، من الناس المحسوبين بشكل وباخر على الحزب، وانّ لعدد من رفاقنا اقارب فيها.

في الطريق وقبل ان نصل الى القرية، حدثني الدكتور كثيرا عن هيرش وبطولاته، وعن رفيق اخر صغير السن اسمه حمه بجكول، يستعين به هيرش اثناء قيامه بالعمليات العسكرية داخل مدينة السليمانية. ماسمعته عن هذا الرجل لايصدق، فهو بطل اسطوري.

وصلنا الى البيت، وكنا قلقين من ان يكون هيرش فارق الحياة، لكنه فاجأنا باستقباله لنا عند الباب قائلا: (لا تخافوا، جرحي بسيط). بدأ الطبيب بفحص الجرح، وتبين انّ الرصاصة اخترقت اعلى الصدر وخرجت من اعلى البطن من دون ان تمس الاحشاء الداخلية.

قام الدكتور بتعقيم الجرح والاجراءات الطبية الاخرى وطمأن الجريح بأن لا شيء خطير. نمنا في تلك الليلة مع هيرش، وحدثنا بما جرى قائلا:

(انه تعرض لاطلاق النار من احد عناصر الحزب الاشتراكي تنظيم الداخل، حيث كان في مكان مرتفع ظانا باني احد افراد مخابرات السلطة). كما حدثنا عن بعض العمليات التي قام بها داخل المدينة وعن البنادق التي حصل عليها، وان واحدة من هذه البنادق كان يحملها الشهيد اشتي الذي استشهد ومجموعة من رفاقه في ربيع نفس السنة بالقرب من مجمع (كاريزه). وحالما علم امر البتاليون بقصة الاصابة، ابرق الى الحزب الاشتراكي محتجا ومحذرا من تكرار مثل هذه الافعال.

سألته: اين البنادق؟، فقال: في جنطة السيارة، ثم اضاف: والسيارة اخذتها مفرزة من شرطة المرور، لانها غير مفحوصة، لكن البنادق في مكان امين والمفتاح عندي، سوف اذهب لاخذ السيارة للفحص واجلب معي البنادق.

في اليوم التالي، وبعد ان تحسنت صحته، عاد هيرش الى المدينة، وبعد غياب اسبوع، حيث كنا في اشد القلق عليه، عاد سرا الى المقر وسلّم البنادق الى آمر البتاليون، وكانت من ضمن البنادق، بندقية الشهيد اشتي وعليها اثار رصاصتين.

ان كل ماقاله هيرش صحيحا، لكن الاخبار التي ترد من اهالي القرى واقارب رفاقنا في السليمانية تحذر منه وتتهمه بالعمالة الى السلطة، وتطلب من الحزب عدم الوثوق به، لكن لا احد يحسم الامر، علما بان بعض الرفاق من اهل السليمانية مثل عمر حامد امر السرية والرفيق عطا وماموستا خالد لا يثقون به، وحذروني انا شخصيا منه، خوفا على اهلي في بغداد.

في خريف 1982 جاء من المدينة مدعيا، بان الظروف الحالية غير مناسبة للعمل في المدينة، مما اضطره للالتحاق بمفارز الانصار، وسرعان ما اصبح امر فصيل مقر البتاليون وبسلطه استثنائية، باعتباره بطل اسطوري!.

اتفقنا في هذا الخريف من عام 1982، بان نقوم بعمل مشترك بين السرية وفصيل مقر البتاليوم، وهو نصب سيطرة كبيرة على الشارع الذي يربط بين السليمانية وناحية عربد، ومهمة هذه السيطرة، تفتيش الهويات، وتوزيع بيانات الحزب، وجمع التبرعات للانصار، بحيث نبدأ العمل في الساعة الرابعة عصرا، اي  بعد انسحاب مدرعات حماية الطريق.

العملية تحتاج الى عدد كبير من اسلحة الاسناد، لان المنطقة قريبة جدا من السليمانية والمعسكرات، بالاضافة الى حيوية هذا الطريق الذي يربط بغداد بحلبجة وسيد صادق.

كان عددنا بحدود خمسين نصيرا، كلهم ابطال ومستعدون لاي عمل، وبقيادة الرفيق عمر حامد، ورفيق ملازم، وهيرش جاوشين. وزعنا المهمات، كل رفيق يعرف مهمته. بالنسبة لي وكمسؤول سياسي، اخترت مجموعة رفاق رائعين بالثقافة والسياسة، وقادرين على ايصال سياسة الحزب للجماهير، ويجيدون اللغتين العربية والكردية، اتذكر منهم الرفيق دلشاد (دلير جلال)، (والرفيق ئارام مصطفى)، واعتذر من الذين لا اتذكرهم.

اوقفنا عشرات السيارات، ووزعنا ادبيات الحزب، وجمعنا تبرعات كنا بحاجة لها جدا، وشرحنا سياسة الحزب. كان عملا رائعا ومنظما من قبل سريتنا، اما فصيل مقر القاطع، فقام بنفس العمل. كانت في احدى السيارات امرأة، اخبرت الرفيق الملازم عن وجود ضابط مخابرات في الباص، فصعد اليه الرفاق وانزلوه من مكانه، لكن هيرش جاوشين، تدخل من اجل اطلاق سراحه، مدعيا بان الضابط من اصدقاء الحزب! ويساعدنا كثيرا، ثم افتعل قصة قائلا: ان الرفيق الملازم، تحرش باحدى النساء وشكته له، وهكذا انتصر الخائن واطلق سراح ضابط المخابرات، ونجح في تشويه سمعة احد رفاقنا.

رجعنا الى اماكن عملنا، ومرت الكثير من الايام، وهيرش عاد للعمل في المدينة متحججا بالعفو الحكومي.

قبل احداث بشتاشان وبعدها، وصلت الاخبار تروي ممارسات هذا الخائن ضد عوائل رفاقنا، الى درجة وصل به الامر ان يلقي قنبلة في بيت احدى عوائلهم. كان الرفيق ابو تارة على علم بما جرى، فحاول استدراجه الى مناطق تواجدنا، وبما ان الخائن هيرش يعرف ان رفاقنا في المدينة سوف لن يتركوه دون عقاب، اختار وبالتنسيق مع والده، ان ياتي الى المقر برفقة والد الشهيد ياسين (حاجي محمد) الذي تعهد لوالده باعادته سالما الى اهله،، حصل ذلك في  27 ايلول 1983، وبالتحديد بعد معركة سوليميش بيومين، التي استشهد فيها البطل ياسين.

وبالفعل، جاء برفقة والد الشهيد، وإلتقى بالرفيق ابو تارة الذي كان على علم بكل التفاصيل، فأضطر الى تسليمه لوالد الشهيد بعد ان بصق في وجهه وحذره من فعل اي شيء ضد رفاقنا. بعد انتفاضة كردستان المجيدة، وبعد العثور على ملفات المتعاونين مع النظام الفاشي، اخذ هيرش عقابه.