رحلتي معه طويلة، امتدت لسنوات، هي الاصعب على الاطلاق، فمن وادي جبل (حصاروست)، وحزنه ومحنته، أطلّ (أبو محمد يماني)، بحسرته الغاضبة، وابتسامته الساخرة، ووفائه الصافي لرفاق دربه، وحنينه اللذيذ لأيام صباه. تعلم في خطواته الاولى ان يكون سعيدا، لكن الحزن اثقل كاهل التجربة كلها، ولم يترك له، سوى بضعة احلام بسيطة، حاول (حسام آل زوين) ان يصنع منها جواز سفر، لينطلق نحو حكايات المسيب والفرات، والمآذن، وسكة القطار، وجدته شنيار.

 اتذكر، حين ودّعته........ وفي الوداع ضحكنا.................

(( في الوداع تعانقنا .. تصافحنا

فدبّ البردُ في الكفين

وصار طريقنا دربين .. ولوحنا بكفينا

وشيءٌ طاف في العينين

وشيءٌ خرّ في القلبين... ))...... محمود درويش. الساعات الاخيرة، من تلك الليالي الباردةّ، حملت معها المزيد من التيه،

والأنين، وتساقط الشعر!، لكن (ابو محمد يماني)، الذي رفض اغراءات التكيف، وخبأ العراق، وقيم العراق، وشجنهِ المتناثر، في وجدانه وعقله، ظلّ وفياً لاحلامه، لاهثا من اجل ادراكها، هائما في جمال حقولها وبواديها، حتى استطاع ان يسترد الذاكرة من جديد، ويكشف عن نهاية الطريق التي تراكم عليها تراب الارض لعقود، وحطّ رحاله على شاطئ الفردوس.................

فردوس الايام الاولى، الزاخرة بالدهشة والتساؤلات، وراح يرمي صنارته، فأصطاد الكثير من البهجة والافراح والاهازيج وعشق (سفيتلايا)!، ليهديها لنا في 337 صفحة لسيرة ذاتية، هي من دون شك، وبالرغم من خصوصيتها، سيرة جيل كامل، عانى من الهزائم والخذلان في كل آماله وتطلعاته.

لا يمكن وصف الشخصية المحورية في الرواية (وسام)، الا بالشاب الذي اختار ان يخوض في بحر متلاطم الامواج،

لكنّ لحظات سعادة مرّت سريعة، وبقت مشعة في الذاكرة،

تمسك بها البطل، فأنقذته من الضياع والغرق!.

في 7 نوفمبر 2024، كنت على موعد معه في مدينة الحلة. ذهبنا

برفقة صديقنا ورفيق دربنا العزيز خليل ابراهيم (ابو حاتم) في جولة داخل مدينة (حمورابي) السياحية، وهناك اعادني (ابو محمد يماني) الى تلك الديار الخالية من السقوف، وذلك المونولوج وأنغامه الجميلة، وما استلهمه من تجربة طويلة ومريرة، ودونه في رواية ((لقد قصدها يوما))، هي مزيج من الذكريات وادب السيرة، لطالما تمنى حسام آل زوين ان يقصها على اصدقاءه وجيرانه ومعلميه وزملاءه في ظروف ملائمة، لكن العراق ((حاد وقسا بأن يلمّ ابناءه المخلصين الانقياء ويرعاهم)).