المكان: كهف هزارستون (ألف ركيزة) مقر سرية حلبجة، تلك المنطقة الشديدة الوعورة، بجبالها ومنحدراتها الحادة.
الزمان: السادس من كانون الثاني من عام 1982، الذي يصادف عيد الجيش العراقي، وهو يوم شديد البرودة، (زمهرير) كما تصفه أمهاتنا. وعلى الرغم من ان درجة الحرارة منخفضة جدا، واسناننا تصطك من شدة البرد، فالمنظر الذي يظهر امامنا من خلال فتحة الكهف الذي يحتشد في داخله اكثر من 45 نصيراً، يبدو خلابا ورائعا.
الصخور والمنحدرات إلتحفت بطبقة من الثلوج تجاوز ارتفاعها نصف قامة الانسان، ومن قمم الجبال تنحدر سيول الكتل الثلجية باستمرار. اما حين تنظر من اعلى الموقع إلى سهل (شهرزور)، فجمال تضاريسه ومداخن بيوته وقراه التي اكتست البياض، يبهرك، ويستفز مخيلتك ومخيلة المبدعين من الشعراء والفنانين وكتاب السيناريو السينمائي.
الرفيق عباس ره ش
رفاق: هناك هدف يتجول حولنا، أنه شبح بزن (حيوان بري يشبه الماعز من جهة، والغزال من جهة اخرى)، لو اصطدناه، لحصلنا على وليمة عشاء فاخرة، بعد ان انحرمنا منها لعدة شهور، (كنّا نادرا ما نحصل على وجبة طعام تحتوي على اللحم).
الرفيق سلام
رفاق: بمناسبة الهدف (البزن)، أود أن أفتح حوارا يتعلق بأهدافنا كأنصارمقاتلين. نحن الآن، نشكل حركة مسلحة، تستخدم العنف في مواجهة العدو. ولكن علينا أن نعرف من هو العدو، الذي علينا أستهدافه. هل هي الدولة بكل مؤسساتها، أم علينا الفرز بينها. الجنود مثلاً، هل هم ضمن أهدافنا العسكرية، أم ماذا؟.
ابتدأ الجدل تحت عنوان: (أعرف عدوك)!
تزامن النقاش في هذا الموضوع، بين رفاق (هزار ستون)، مع إلتحاق أحد الجنود بنا، هاربا من احدى الربايا القريبة من موقعنا، والذي تحدث عن الاصول العشائرية لزملاءه الجنود في الربايا العسكرية. هذه الاصول خصت ايضا بعض الرفاق الانصار. كما تزامن طرح الموضوع، مع الرسائل التي تردنا من تلك الربايا، والتي تؤكد، بانهم ليسوا اعداءنا، ولن يتعرضوا لنا في حالة عدم مهاجمتهم. اما المناسبة الثالثة التي اثارت النقاش، فهي (عيد الجيش العراقي)......
الرفيق الشهيد يوسف عرب
أولاً: من خلال ما طرحه الجندي الملتحق، تبين أن جنديين، من جنود تلك الربايا القريبة، من أبناء عمومتي.
ثانياً: عند مراجعتنا لتاريخ الحركة الثورية، وخصوصاً ثورة أكتوبر العظمى، نرى أن أحد شعاراتها هو: (تحالف العمال والفلاحين والجنود)، كما أن لمنتسبي الجيش العراقي، الدور الأساسي في ثورة الرابع عشر من تموز المجيدة، فكيف لنا أن نعتبرهم أهدافا لعملنا المسلح؟!.
الرفيق الشهيد خه بات
والله هاوريان (رفاق)، أنا أرى انّ أبو خليل (الجندي العراقي، يُلقب بـ/أبو خليل/)، أنسان مغلوب على أمره، ولا جدوى من محاربته، وأنا لا اعتبره عدوا على الاطلاق.
الرفيق كمال هورامي
أنا أتفق مع الرفيق يوسف عرب، بأن الجيش العراقي، يضم بين صفوفه افرادا ينتمون الى كافة الفئات الاجتماعية، وحتما من بينهم من هو ضد النظام أصلا، ومنهم من هو قريبا لاحدنا او صديقا له، وربما هناك رفاق اجبرتهم الظروف للالتحاق بالخدمة الالزامية، فكيف لنا ان نستهدف هؤلاء، وماذا نقول لاهلهم فيما بعد.
الرفيق عبد الله ماما (آمر السرية)
هاوريان (رفاق)، أنا أعتبر الجنود مجبرين، وهم مساكين، ولهم عوائل وأمهات، وليس من حقنا استهدافهم.
الرفيق أبو ستار
أنا فقط أريد أن أقول، لو أن احد الرفاق الموجودين في هذا المكان، لم يستطع الأفلات من قبضة اجهزة النظام البعثي، لكان الآن في أحد هذه الربايا، وهو يعلم باننا رفاقه.
الرفاق: فاخر، ومنير، وسالار، وشوان، وأحمد كومنست، وعباس ره ش، وفاضل، يتفقون مع ما طرحه الرفاق، اما الاخرون، فلوحوا بايديهم مؤيدين.
الرفيق سلام
صحيح أن حركة الأنصار، تعتمد الكفاح المسلح، لكن نحن بالأساس حزب سياسي ذو مضامين أنسانية وأجتماعية سامية، نعمل لتحقيق مستقبل أفضل لشعبنا، والجنود هم جزء من هذا الشعب، لذا علينا التمييز بين من هم أعداء لنا، وبين من أجبرهم النظام وأستغلهم.
في ختام هذا الجدل!، اتفق الجميع، على ان عدونا الحقيقي، هو النظام البعثي وعملائه واجهزته القمعية، من الأمن والاستخبارات والمرتزقة.
كما عبّر هذا الحوار، عن انسانية الشيوعيين ازاء ابناء شعبهم حتى في ظروف العمل المسلح .