في أربيل، زرت الرفيق محسن ياسين، وبعد الترحيب، راح يسألني عن أخبار أنصار سرية (خوشناوتي)، وأول إسم سألني عن أخباره، هو الرفيق (أبو غبشة)، ذلك النصير الذي ترك بغداد ومدينة الثورة، ملتحقا بالأنصار، حاملا معه طيبة بغدادية أصيلة، ممزوجة ببطولة ريفية يحملها أهالي مدينة الثورة.

إلتقيت به أول مرة، اثناء معركة (بشت ئاشان) الثانية، يحمل رشاشته، ويسير في طرق جبل قنديل الوعرة، مصمما على أن ينتقم لشهداء معركة (بشت ئاشان) الأولى، فبينهم أصدقاؤه الذين عمل معهم في الموقع نفسه قبل إنتقاله للعمل في سرية (خوشناوتي). يتذكرهم بألم، ويتحدث عن أحلامهم، ونكاتهم، وطيبتهم. لقد كانوا عائلة واحدة، من عوائل جمهورية أفلاطون المثالية!..

في سرية (خوشناوتي)، اقترب (أبو غبشة) كثيرا من الفلاحين والرعاة الفقراء. إنشدّ إليهم رغم حاجز اللغة الصعب، لكن المشاعر المشتركة كانت تفوز دائما. انسجم بسرعة مع حياة السرية التي تختلف كليا عن حياة المقرات، ففيها حركة مستمرة وخطر دائم، وفيها يتعلم الانصار الكثير من حياة الفلاحين.

يهتم الرفيق (أبو غبشة) بشكل استثنائي بتحضير الشاي. يتلذذ بشربه، ولا يفوّت فرصة في تجميع الجمرات، ووضع (زمزمية) الفافون عليها لتجهيزه على طريقته الخاصة، والتي لا يكشف أسرارها لأحد!.

في مرة، كان (أبو غبشة) مع نصير آخر، في موقع مراباة على احدى القمم المطلة على مقرنا في (ئاسته)، فكانت أول مهمة له، هي تحضير الشاي. أشعل النار، ووضع زمزميته قربها، ثم وضع الشاي فيها، تركها على نار هادئة، بانتظار وقت شربه، لكنهما ما ان سكبا الشاي في الأكواب، حتى خرج من (الزمزية) فأر صغير مسلوق!!، فقاطع رفيقنا المرافق لـ(أبو غبشة) شرب الشاي طيلة وجوده في مقر (ئاسته)!.

يتميز الرفيق (ابو غبشة) بهدوئه وتحمله، لذلك، كثيرا ما يلجأ آمر سرية (خوشناوتي)، الرفيق محسن ياسن، عندما يغضب ويخشى من توجيه نقد مباشر لبعض الأنصار في السرية، الى صب جام غضبه على رفيقنا (أبو غبشة)، لانه يعرف طيبة قلبه، وتحمله لغضب رفاقه الذي طالما واجهه بهدوئه وضحكته وحديثه الساخر، ولهذا كان محسن ياسين يردد ضاحكا: كل السبب من (ابو غبشة!).

كنت مع (أبو غبشة) في معارك سرية (خوشناوتي) ومفارزها، فوجدت لديه شجاعة فطرية، وتحدي كبير للعدو. ورغم إنه لم يحمل طبيعة عدوانية، إلا إنه في المعارك في المقدمة. هكذا وجدته في معارك (زيباروك، وقلا سنج وحجران)، مقاتلا لا يتردد ولا يتراجع، وما أن تنتهي المعركة، حتى  يعود إلى طبعه الهادئ، ويسير مع رفاقه في مسيرة طويلة متحملا الآلام والتعب، ويقاومها بضحكته الجميلة والمميزة.

عندما انتقلت من العمل في سرية (خوشناوتي) الى سرية (الكوي)، إفترقت عن النصير والصديق (أبو غبشة)، وبقى مكانه شاغرا، فهو الوحيد الذي يملك قدرة سحرية على تحمل التعب والأرهاق، وبطيبته الكبيرة، يترك الآمان والسعادة بين صفوف المفرزة.. تحية لهذا البطل الأنصاري، ومكانه منحوت في الذاكرة والقلب.

النصير الشيوعي العدد 39 السنة الرابعة تشرين الأول 2025